مقالة «الإسناد من الدين» ليست حديثًا عن النبي صلي الله عليه وسلم، ولا يروى حتى بسند ضعيف، ولا غيره، وإنما هو قول منسوب لعبد الله بن المبارك رضى الله عنه فكان يقول : « الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء» ، وكان يقول : «بيننا وبين القوم القوائم» يعني الإسناد، ولعل باقي المقولة : «لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء» يوضح المعنى المسئول عنه؛ إذ تعني أن الاعتماد والتوثيق هو المنهج المطبق في نقل الدين حتى لا يضيع الدين بين الخرافات والأوهام.
وفي الحقيقة قضية الإسناد تشير إلى أحد أهم مكونات عقلية المسلم، حيث تشير إلى «التوثيق»، فالتوثيق للمصادر من أهم خصائص تلك الأمة؛ حيث وثقت الأمة كتاب ربها، واعتنت بتوثيق نقل هذا الكتاب من جيل إلى جيل على أعلى مستويات الدقة في النقل، حتى راعت النقل على مستوى الضبط، والصوت، والمد، والترقيق والتفخيم، فأعجزت وبهرت من حولها من الأمم.
وعلى مستوى السنة النبوية، فالسند كان ولا يزال أهم الوسائل التي حفظ الله بها الحديث وصانه من الوضع والكذب والافتراء ، كما أنه المعيار الأول الذي تقيم به الروايات، وتوزن به الأخبار؛ لمعرفة صحيحها من سقيمها، وقويها من ضعيفها.
وفي عصرنا هذا لا يعد السند أساسًا في الحفظ بقدر ما يعد للتبرك به، ولمعرفة التواريخ وله استخدامات أخرى غير وظيفته الأساسية التي كانت قبل انتهاء عصر الرواية.
هذا بيان لمعنى مقالة ابن المبارك : «الإسناد من الدين»، نسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وإيماننا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.