الصلاة في اللغة : هي الدعاء والعطف، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي الدعاء له بصيغة مخصوصة، وقد ورد الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب :56].
وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بفضل الصلاة عليه في كثير من الأحاديث منها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا) [رواه مسلم].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا، ومن صلى علي عشرا صلى الله عليه مائة، ومن صلى علي مائة كتب الله له براءة من النفاق بين عينيه، وبراءة من النار وأنزله الله يوم القيامة مع الشهداء) [الطبراني في الأوسط والصغير].
كما أن الله يُرقي بهذه الصلاة رسوله صلى الله عليه وسلم في درجات الكمال، فإن الكمالات لا تتناهى، فيرفعه بها في نهايات القرب والرضوان، فعن أبي طلحة عن أبيه قال : (جاء النبي صلى الله عليه وسلم يومًا وهو يري البشر في وجهه، فقيل : يا رسول الله، إنا نرى في وجهك بشرًا لم نكن نراه، قال : أجل، إن ملكًا أتاني، فقال لي يا محمد، إن ربك يقول لك : أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا، ولا يسلم عليك إلا سلمت عليه عشرا، قال : قلت بلى) [الدارمي في سننه وابن أبي شيبة في مصنفه].
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تُطهر النفس من الخبث، وتُشفي القلب من كل مرض يحول بينه وبين ربه، فما زال المؤمن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يلقى ربه بقلب سليم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (صلوا علي فإن الصلاة علي زكاة لكم) [ابن أبي شيبة في مصنفه، والحارث في مسنده].
ورسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في حاجة إلى أن نصلي عليه، بل نحن في حاجة إلى أن نصلي عليه صلى الله عليه وسلم، حتى يكفينا الله همومنا ويجمع علينا خير الدنيا والآخرة، ويغفر لنا ذنوبنا، وقد يسأل السائل كم نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في يومنا وليلتنا، فلا حد للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي على المسلم أن يجتهد في الصلاة عليه قدر المستطاع، وإن استطاع أن يجعل ذكره كله في الصلاة على النبي فهو خير له، فهذا الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي الله عنه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : (قلت : يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي ؟ فقال : ما شئت. قال : قلت الربع ؟ قال : ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلت : النصف؟ قال : ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قال : قلت فالثلثين؟ قال : ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلت : أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال : إذًا تكفى همك ويغفر لك ذنبك) [رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح].
وهكذا نرى أن إنفاق كل مجلس الذكر في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خير عظيم، حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤكد هذا المعنى ما رواه أبي بن كعب كذلك قال : (قال رجل : يا رسول الله، أرأيت ان جعلت صلاتي كلها عليك ؟ قال : إذا يكفيك الله تبارك وتعالى ما أهمك من دنياك وأخرتك) [رواه أحمد].
وتجوز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأي صيغة المهم أن تشتمل على لفظ الصلاة على النبي، أو صلي اللهم على النبي، حتى وإن كانت هذه الصيغة لم ترد، وإن كانت الصلاة الإبراهيمية أو الصيغة الإبراهيمية في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي أفضلها، فقد اهتم الصحابة رضوان الله عليهم أن يعرفوا صيغة الصلاة عليه فقالو : (يا رسول الله, أما السلام عليك فقد عرفناه, فكيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد, وعلى آل محمد, كما صليت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد, اللهم بارك على محمد, وعلى آل محمد, كما باركت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد).
فالصلاة على النبي مفتاح الخيرات، ومرقاة الدرجات، وسبب السعادة في الدنيا والآخرة، فبها تطهر النفس، ويسلم القلب، وينجو العبد، ويغفر له ذنوبه، ويقبلها الله حتى من غير المسلم، وذلك لتعلقها جنابه الجليل، وليس معنى أنه يقبله منها، أنه يثيبه عليها؛ فالثواب وقبول العبادة فرع على التوحيد، وإنما معنى قبولها من غير المسلم أنه إذا طلب من الله أن يصلي على نبيه ويرحمه ويرقيه في درجات الكمال ،فإن ذلك سيحدث للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن بغير ثواب له لافتقاده شرط التوحيد.
رزقنا الله كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، والانتفاع به في الدنيا والآخرة، ورفقته في الآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. (يتبع)