تمثل أسماء الله الحسنى في الإسلام منهج رباني يربي المسلم علي أخلاق سامية إذا التزم به كانت طريقه إلي الجنة. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ » (أخرجه البخاري).
إلا أن عدد الأسماء التي سمى الله بها نفسه في القرآن الكريم 152 اسما، وعدد الأسماء التي أطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الله سبحانه وتعالى في السنة نحو 164 اسما. ومع حذف المكرر من هذه الأسماء ينتج عندنا 220 اسما في الكتاب والسنة تنقسم إلي ثلاثة أقسام؛ هناك أسماء الجمال والتي يجب علي المسلم أن يتخلق بها كالرحمن الرحيم الوهاب، وهنالك أسماء الجلال التي يجب التعلق بها مثل القهار المتكبر شديد المحال، وهناك أسماء الجلال التي يجب حبها والتصديق والإيمان بها كاسمه تعالى الله الظاهر الباطن.
ونعيش في مقال اليوم مع اسم الله الرزاق.وهو من أسماء الجمال.و الرزق في اللغة هو النصيب والقسمة فما قُسم لنا هو رزق. والرازقُ أو الرّزَّاقُ من صفات الله تعالى لأَنه يَرزُق الخلق أَجمعين وهو الذي خلق الأَرْزاق وأَعطى الخلائق أَرزاقها وأَوصَلها إليهم.
والأَرزاقُ نوعانِ ظاهرة للأَبدان كالأَقْوات وباطنة للقلوب والنُّفوس كالمَعارِف والعلوم. ولفظ الرزاق أشمل وأعم من لفظ الرازق؛ فالرازق هو الذي يعطي بعض الناس ويمنع البعض الآخر، ولكن الرزاق تتضمن الشمول فالجميع يصله الرزق، التقي والعاصي على حد سواء.
ويؤكد الله في كتابه أنه هو الرزاق الأوحد لجميع مخلوقاته وأنه بيده مفاتيح الرزق لا يشاركه فيها أحد، ثم ألزم نفسه سبحانه برزق كل مخلوقاته علي حد سواء من عبده منهم أو من لم يعبده، فقال: "وَمَا مِن دَابَّةٍ في الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا" [هود :6].
كما بين سبحانه أن أرزاق الخلائق مقدر منذ الأزل وأنه قدرها تقديرا دقيقا لا يظلم معه أحد فقال: "وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ" [فصلت :10].
ويحكي التاريخ قصص عجيبة عن تفاعل البشر مع اسم الله الرزاق، ولعل أشهرها ما رواه البيهقي في شعب الإيمان من قصة الأعرابي الذي أتى الأصمعي في البصرة، وسأله أن يتلو عليه شيئا من كلام الرحمن، فتلا عليه من سورة الذاريات، حتى انتهى إلى قوله تعالى : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون) ، فقال الأعرابي : هذا كلام الرحمن ؟
قال الأصمعي : إي والذي بعث محمدا بالحق إنه لكلامه أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال له الأعرابي : حسبك، ثم قام إلى ناقته فنحرها بسيفه، وقطعها بجلدها وقال : أعني على تفريقها ، فوزعاها على من أقبل وأدبر ، ثم كسر سيفه ، وقوسه ، وجعلها تحت الرملة ، وولى مدبرا نحو البادية، وهو يقول : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون) يرددها حتى تغيب عنه في حيطان البصرة، وحينها أقبل الأصمعي على نفسه يلومها ، وحدثها قائلا: يا أصمعي ، قرأت القرآن منذ ثلاثين سنة ومررت بهذه وأمثالها وأشباهها فلم تتنبه لما تنبه له هذا الأعرابي ، ولم يعلم أن للرحمن كلاما.
ثم لقيه مرة أخرى في الكعبة فقال له الأعربي: اتل من كلام الرحمن ذلك الذي تتلوه، فابتدأ ثانيا بسورة الذاريات ، فلما انتهي إلى قوله : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) صاح الأعرابي: وقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، ثم قال : يا أصمعي ، هل غير هذا للرحمن كلام ؟ قال : نعم يا أعرابي ، يقول الله عز وجل : ( فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) ، فصاح الأعرابي عندها وقال : يا سبحان الله ، من ذا أغضب الجليل حتى حلف ؟ أفلم يصدقوه بقوله حتى ألجئوه إلى اليمين، قالها ثلاثا وخرجت نفسه.