الحج في ظاهره أن يعقد المسلم النية إلى قصد بيت الله الحرام إن كان في أشهر الحج, والحج من بين أركان الإسلام ومبانيه, وهو عبادة العمر, وهو تمام الإسلام, وهو كمال الدين.. وذلك لأنه يشتمل على العبادة الجسدية والعبادة القولية, بل ويشتمل على كل أنواع العبادة, فيشتمل على الصلاة, وعلى الصدقة, وعلى الكفارة, وعلى النذر, وعلى التلاوة, وعلى الذكر, وعلى الدعاء, وغير ذلك, ولا تجد عبادة من عبادات الإسلام أمرنا الله أن نعبده بها إلا وهي في الحج, فأصبح الحج ممثلا لتمام الإسلام ومبانيه
قال الله عز وجل: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا) [الحج:27] أي ماشين على أرجلهم, (وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ) وعلى كل ضامر أي وهم راكبون, عند استعانتهم بوسائل المواصلات المختلفة, منها الخيل والإبل قديما, والسيارات والسفن والطائرات حديثا, (يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) أي أنهم يأتون حتى من القرى التي لا توجد على الخريطة.
وإذا ذهبت إلى الحج وجدت ذلك حقا, وجدت أهل الجبال, وأهل السهول, وأهل المشرق, وأهل المغرب, وأهل الشمال, وأهل الجنوب, ووجدت الناس من كل لون, وعرفت أن أمة الإسلام إنما هي الخلق أجمعون, ولكن بعض الخلق آمن, وهناك منهم من لم يؤمن, ولذلك قال العلماء: (هناك أمة دعوة, وهناك أمة إجابة, فأمة الإجابة هم الذين آمنوا بالله, واستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وأمة الدعوة الناس كلهم, لأنهم جميعا مخاطبون بهذا الدين), والدعوة موجهة لهم جميعا ليؤمنوا, لا فرق في ذلك بين أبيض وأسود, ولا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى, فالإسلام نسق مفتوح, ولم يجعل الله سبحانه وتعالى الإسلام للعرب فقط, ولا لجيل دون جيل, ولا جنس دون جنس, ولا أمة دون أمة, ولا كلف الرجال وحرم النساء من التكليف, بل عامل كل إنسان على ما كان إنسانا معاملة واحدة.
قال صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) (رواه البخاري ومسلم), فإن الحج من مكفرات الذنوب, وإذا حج المسلم فإنه يرجع بصفحة بيضاء مع رب العالمين, لا يكون مثقلا بأي ذنب, فلو أذنب ما بين السماء والأرض, ولو رجع إلى الله بمثل تراب الأرض ذنوبا ثم جاءه تائبا لغفر له.
وقد جعل الله البيت العتيق -وسمي عتيقا لأنه قديم- مثابة للناس وأمنا, وأكرمه بالنسبة إلى نفسه تشريفا وتحصينا ومنة وجعل زيارته والطواف به حجابا بين العبد وبين العذاب, فهو حصن يستطيع به العبد أن يتقي عذاب الله. فبالإضافة إلى أن الحج ركن من أركان الإسلام, فهو أيضا منفعة للمؤمن بأن يفتح صفحة جديدة مع ربه, ليغفر له الله ما تقدم له من ذنبه على ما كان منه.
والحج على ثلاث صور, الصورة الأولي هي الإفراد, وذلك أن يقدم الحاج الحج وحده, فإذا فرغ خرج إلى الحل, وأحرم واعتمر, وهذا يسمي الحج المفرد أو الإفراد.
والصورة الثانية هي القران, وهو أن يجمع الحاج بين الحج والعمرة دون أن يتحلل فيقول: لبيك بحج وعمرة, فيصير محرما بهما معا, ويكفيه أعمال الحج, وتندرج العمرة تحت الحج حينئذ, وعلى القارن دم شاة إلا المكي فإنه لا دم عليه.
والصورة الثالثة هي التمتع, فللحاج أن يتمتع بالعمرة إلى الحج, بأن يحل بينهما, وهو أن يجاوز الميقات محرما بعمرة ويتحلل بمكة بعد تأدية العمرة, فينتهي منها ويتحلل, ويتمتع بمحظورات الإحرام وهو حلال طبعا إلى وقت الحج, ثم يحرم بالحج من مكانه في مكة دون أن يخرج إلى حل ولا إلى غيره, ويلزمه دم شاة, فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم النحر متفرقة أو متتابعة, وسبعة إذا رجع إلى الوطن متفرقة أو متتابعة.
وإذا كان في غير أشهر الحج فإنه ينوي العمرة, والعمرة فرض عند الشافعية كالحج تماما وإذا أراد الخروج إلى العمرة فإنه يقول في بدايتها: (لبيك اللهم بعمرة), أو يقول: (لبيك اللهم لبيك, بحج, أو بعمرة متمتعا بها إلى حج, أو بعمرة وحج) وهكذا... على حسب قصده, وهذا هو ظاهر أمر القصد إلى بيت الله الحرام.
وللحج شروط صحة وشروط وجوب, أما شروط صحة الحج فأمران: الأول هو: الإسلام, والثاني هو الوقت: ومعناه دخول أشهر الحج وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة.
أما شروط الوجوب فأولها البلوغ, فلا يجب الحج على الصغير الذي لم يبلغ الحلم ولا على المرأة التي لم تحض. وثانيها العقل, فلا تكليف على مجنون, وثالثها الحرية, ورابعها وجود الزاد والراحلة: والزاد هي الكلفة أو النفقة الكافية لنقل الحاج من بلده إلى البيت الحرام. وكل زمن له كيفية, وهناك شرط إمكان المسير: يعني أن يتبقى من الزمن ما يستطيع به الحاج أن يدرك الوقوف بعرفات وأن الحاج يمتلك المقدرة الجسدية للوصول إلى بيت الله الحرام, وأخيرا تخلية الطريق: يعني أن يكون الطريق آمنا, فلو كان هناك قطاع طرق أو حرب أو كان هناك عدم أمن على النفس أو المال أو العرض في أثناء الانتقال فلا يجب الحج.
وفي رحاب هذه المناسك الشريفة والنفحات الجليلة فأفضل الدعاء: الدعاء لعموم المسلمين بصلاح أحوالهم, ومغفرة ذنوبهم, فاللهم وفق الحجيج لما فيه رضاك, واجعلهم في سفرهم سالمين, وفي عودهم غانمين, آمين.