في الحديث عن أسماء الله الحسنى نحتاج دائما أن نؤكد على أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول: هو قسم الجمال مثل الرحمن الرحيم العفو الغفور الرءوف. والقسم الثاني: هو قسم الجلال مثل الجبار المنتقم المتكبر شديد المحال العظيم. والقسم الثالث : هو قسم الكمال، مثل لفظ الجلالة ومثل الأول الآخر، الظاهر الباطن، الضار النافع، المعطي المانع.
ونستكمل معنا في هذا العدد اسم الله تعالى (الباسط) والباسط اسم فاعل من بسط يبسط بسطا، بمعنى التوسيع والبَسْطُ: نَقِيْضُ القَبْضِ. وبسَط الشيءَ نشره وبالصاد أَيضاً وبَسْطُ العُذْرِ قَبوله،والبَسْطَةُ: السعةُ.
وفي أَسماء اللّه تعالى الباسطُ هو الذي يَبْسُطُ الرزق لعباده ويوسّعه عليهم بجُوده ورحمته ويبسُط الأَرواح في الأَجساد عند الحياة.
وكما بينا في العدد السابق أن هذين الاسمين(الباسط والقابض)لم يأتيا بلفظهما في القرآن الكريم، وإنما أتيا فعلين وذلك في قوله تعالى "وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" [البقرة : 245]. أي يضيق ويوسع، (ولعل تأخير البسط عند القبض فى الذكر للايماء إلى أنه يعقبه فى الوجود تسليةُ للفقراء) تفسير حقي.
وكذلك في قوله عز وجل" وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِى الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ" [الشورى :27].(ولو بسط الله الرزق لعباده) أي وسع الله الرزق لعباده (لبغوا) أي لطغوا وعتوا في الأرض..وقيل: إن البغي مع القبض والفقر أقل، ومع البسط والغنى أكثر لأن النفس مائلة إلى الشر لكنها إذا كانت فاقدة لآلاته كان الشر أقل وإذا كانت واجدة لها كان الشر أكثر .. ولكن ينزل بقدر ما يشاء .. والمعنى أنه تعالى عالم بأحوال عباده وبطبائعهم وبعواقب أمورهم فيقدر أرزاقهم على وفق مصالحهم.(تفسير الخازن) ويروى عن قتادة قوله:(خير الرزق ما لا يُطغيك ولا يُلهيك).
وأيضا ورد في قوله تعالى:(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) [الإسراء:30]
وفي الحديث عَنْ أَنَسٍ قَالَ غَلاَ السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا.
فَقَالَ" إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ وَإِنِّى لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّى وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِى بِمَظْلَمَةٍ فِى دَمٍ وَلاَ مَالٍ".(سنن الترمذي)
وسبقت الإشارة إلى أن هذين الاسمين هما من الأسماء المزدوجة التي لا يصح ذكر أحدهما دون الآخر حتى لا يحدث إلتباس في الفهم، كما روى عن بعض العارفين قوله: يذكر القابض والباسط معا فلا يوصف الله بالقبض دون البسط يعني أنه لا يوصف بالحرمان دون العطاء ولا بالعطاء دون الحرمان.
والله عز وجل هو القابض والباسط وهو بكل شئ عليم ويروى عن الدقاق رحمه الله: القبض حق الحق منك، والبسط حظ العبد منه، ولأن تكون بحقه منك أتم من أن تكون بحظك منه. ولهذا يقول الإمام القشيري: يبغي أن يتجنب الضجر في وقت قبضه ويتجنب ترك الأدب في حال بسطه.
والعبد يتأرجح بين حالتي القبض والبسط، وفي شرحه للأسماء الحسنى يقول الإمام الغزالي القابض الباسط هو الذى يقبض الأرواح من الأشباح عند الممات ويبسط الأرواح فى الأجساد عند الحياة ويقبض الصدقات من الأغنياء ويبسط الأرزاق للضعفاء ويبسط الرزق على الاغنياء حتى لا تبقى فاقة ويقبضه من الفقراء حتى لا تبقى طاقة ويقبض القلوب فيضيقها بما يكشف لها من قلة مبالاته وتعاليه وجلاله ويبسطها لما يقرب إليها من بره ولطفه وجماله.
وعلى ذلك يجب عليك أن تفهم ما الباسط, إنه باسط في الحس باسط في الروح باسط في الرزق وفي غير ذلك كثير على ما يفتح الله سبحانه وتعالى به عليك.