(الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
﴿وَلِلهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180]. فالله سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى، وله الصفات العُلا، وأمرنا أن ندعوه سبحانه وتعالى بها. والدعاء يستوجب التخلق بجمالها والتعلق بجلالها.
ألا يريد أحدنا أن يغفر الله له؟ كلنا نريد أن يغفر الله لنا. ألا يريد أحدنا أن يرحمه الله؟ كلنا نريد ذلك؛ ولذلك فلابد أن نرحم وأن نعفو وأن نغفر ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 109]، وفى حديث الأولية يقول رسول الله صلى الله عليه وسلـم : «الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء». ومن أسماءه وصفاته سبحانه وتعالى (الرحمن الرحيم).
والرحمن الرحيم مشتق من الرحمة، رحمن، ورحيم يسميها أهل النحو: بصيغ المبالغة. لأنها تبالغ في الصفة من اسم الفاعل، وأسم الفاعل راحم، لا هو ليس راحم فقط؛ لأن اسم الفاعل يتحقق ولو بشيء من الرحمة، ولكن ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام: 54]، ربنا سبحانه وتعالى قد سبقت رحمته غضبه، فيغضب ممن يفسد، ولا يحب المفسدين والظالمين والكاذبين، لكنـه أيضًا غلَّف هذا برحمة عجيبة غريبة، نراها في الدنيا وستكون في الآخرة، أوَّل كلمة نواجهها في القرآن الكريم، وأوَّل أيه من سورة الفاتحة التي هي أوَّل سورة في القرآن ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: 1]، الرحمن هو رحمن الدنيا؛ لأنه يرحم المؤمن والكافر، ويرحم الملتزم والمفرط، ويرحم الخلق جميعًا، والرحيم؛ فهو رحيم الآخرة، ربط الله هذه الحياة الدنيا بحياة آخرة فيها الحساب، العقاب والثواب، ﴿ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ [الزمر: 16]، فغرض هذا التخويف بالنار ليس هو إظهار جلال الله وحده، بل إن الغرض منه هو التحكم في سلوك البشر، في ألا يضل البشر، وألا يعلو بعضهم على بعض، وألا يمارسون.. وألا يمارسوا الطغيان والبغي في هذه الحياة الدنيا، وأن يقوموا بواجبهم بإزاء ربهم، وبإزاء أنفسهم، وبإزاء الآخرين، وأن يكونوا محل سلام وأمان، ودعوة صالحة تعمِّر الأرض، ولكن شهـوة البشر غالبة؛ ولذلك خوَّف الله عبادة بهذا، إلا أنه بدأ هذا التخويف بالرحمن الرحيم، يعنى لابد أن نفهمه من خلال أن ذلك من خلال رحمة الله.
الرحمة هي أساس الحب، وهى أساس الكرم، الحب عطاء؛ ولذلك فيتولد منه الكرم؛ لأن من أحب شخصًا فإنه يعطيه.. يعطيه من قلبه، يعطيه من وقته، يعطيه من خبرته، يعطيه من حنانه، هذا الحب إنما يصدر من قلب قد عرف شيئًا من الرحمة، لا يمكن أن نتصور أن المحب يكــون قاسيًا على حبيبه، إذا دخل الحب في قلب أحدهم فإننا نرى الرحمة أصلًا لهذا الحب؛ ولذلك قال الله: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، الرحمن الرحيم هي أصل الحب، وأصل العطاء والكرم والجود، وهذا في الحقيقة هو أساس الخلق الحسن.
الرحمن الرحيم كررها مرتين! فَلِمَا لَمْ يقل: بسم الله الرحمن ، أو بسم الله الرحيم، لأن الله له صفات الجمال والجلال، فكان من الممكن أن يقول: بسم الله المنتقم الجبار. أو يقول: بسم الله الرحمن المنتقم. واحدة من الجمال والثانية من الجلال، إلا أن البشر لا تطيق التجلي بجلال الله عليها، بل تحتاج إلى جماله ورحمته وعفوه سبحانه وتعالى؛ ولذلك قال: بسم الله الرحمن. ولم يسكت على هذا فقال: الرحيم. معنى هذا أن الإنسان في جمال صفات الله، وفى جلال صفات الله. هو بين الجلال والجمال، لو اقتصر على واحدة لما ظهر هذا المعنى، لكن لما قال: الرحمن وثنى بالرحيم، فكأنه قد جعل الإنسان بين صفتين من صفات الجمال إشارة إلى علو هذا المقام الجليل، وإلى علاقته بالإنسان الذي هو من صنعه الله، لو عرف الطبيب هذا لرحم المريض، لو عرف الإنسان هذا لما قتل أخاه الإنسان، لو عرف المهندس هذا لما غش في البناء، حتى ينهار على بني الإنسان، كان يعظم بنيان الرب، وكان يعرف قيمة الإنسان عند من جعله بين الرحمة والرحمة.