في العصر الحاضر خلط كثير من الناس بين تصرفات الصوفية وبين التصوف, كما خلط كثير من الخلق بين أفعال المسلمين وبين الإسلام, وأفعال المسلمين في أي مكان وفي أي زمان, لم تكن أبدا حجة على الإسلام.
بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحذر الناس من فساد الزمان ومن البعد عن السنة, وفي حديث حذيفة رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري ومسلم, يبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الشريعة هي الأساس, وأننا سنرى فتنا, وسنرى مخالفة, وسنرى اختلافا بين الناس, يقول حذيفة: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير, وكنت أسأله عن الشر, مخافة أن يدركني, فقلت: يا رسول الله, إنا كنا في جاهلية وشر, فجاءنا الله بهذا الخير, فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن, قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي, تعرف منهم وتنكر قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم, دعاة إلى أبواب جهنم, من أجابهم إليها قذفوه فيها, قلت: يا رسول الله, صفهم لنا, فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها, ولو أن تعض بأصل شجرة, حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.
فالحق أن المسلمين ليسوا حجة على الإسلام, ولما أمر صلى الله عليه وآله وسلم أمير الجيوش قال له:.. وإن حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله, فلا تنزلهم على حكم الله, ولكن أنزلهم على حكمك, فإنك لا تدري, أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟ (أخرجه الإمام أحمد في المسند).
ولذلك, فإننا عندما نتفاوض, نتفاوض باجتهادنا, فليس هذا هو كلام الله ولا كلام رسوله, إنما هذا ما فهمناه من كلام الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم, ومن أجل ذلك, فإن العلماء من أهل التصوف تقيدوا بالكتاب والسنة, واجتهدوا كما اجتهد الفقهاء, وكما اجتهد أهل العقيدة والمتكلمون, اجتهدوا في هذا الفهم, لكنه مقيد بالكتاب والسنة.
نشأت الآن ناشئة تنكر التصوف, لما رأته من بعض خلل أو بدع, ممن ينتسبون إلى التصوف, ولو نظرنا إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, لوجدنا أن هذا الذي فعلوه مخالف للمنهج النبوي, فلقد وجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصناما حول الكعبة فلم يهدم الكعبة, وإنما أزال الأصنام وأبقى الكعبة, هذا هو المنهج النبوي, إنه منهج رباني, كذلك لو نظرنا إلى قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) [البقرة:158]؛ فهذه الآية تبين: أن الصحابة كان عندهم حرج أن يفعلوا تلك الأفعال التي فعلها المشركون, عندما قصدوا وحجوا إلى بيت الله, وأرادوا إلغاء السعي جملة, لكن السعي من دين إبراهيم, هذا من الحنيفية... هذا بأمر الله سبحانه وتعالى, وهؤلاء المشركون قد خلطوا الوثنية بشريعة إبراهيم, فخلصها الله سبحانه وتعالى منها, وجعل شريعة إبراهيم صافية, نحج بها إلى يومنا هذا: من طواف, وسعي, ورمي, ومبيت, ووقوف بعرفة.. إلى آخر هذا, وخلصها من النواقص أو الزوائد التي أضافها الوثنيون المشركون, لم يلغ هذا الأمر, لأن هذا ليس من الإنصاف, وليس من العدل, ورسول الله صلى الله على وآله وسلم يعلمنا الإنصاف والعدل, ولذلك خلص هذا من ذاك.
وعندما سأله صلى الله عليه وآله وسلم بعض من معه, فقال له: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط (وهو اسم شجرة كان المشركون يعكفون حولها ويعلقون بها أسلحتهم), فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: سبحان الله, هذا كما قال قوم موسى لموسى (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ) أخرجه الترمذي, فلم يكفرهم, ولم يلقهم في اليم, وإنما وضح لهم هذا من ذاك.
وعندما سمع امرأة رأته وهي تغني, فقالت: وإن لنا نبيا يعلم ما في غد -وكانت تضرب بالدف, وتندب من قتل يوم بدر- فقال: دعي هذا, وقولي بالذي كنت تقولين (أخرجه البخاري) أي اتركي مسألة أن النبي يعلم الغيب بذاته, وعودي إلى ما كنت عليه.
منهج واضح أننا إذا اختلط الأمر, لا نرمي الجميع, بل علينا أن نخلص هذا من ذاك, نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر وننكر البدع والانحرافات.
لكن التصوف في عصرنا الحاضر تاه بين أعدائه وأدعيائه, فهناك من يتمسك بمجموعة من البدع مدعيا أنها هي التصوف, والتصوف براء من ذلك.
التصوف هو حفظ مرتبة الإحسان, التصوف مقيد بالكتاب والسنة, التصوف له علماؤه عبر العصور, كتبوا فيه وعاشوا من أجله, وأوضحوه بألفاظ مختلفة في عصور مختلفة, تكلموا عن الزهد, وألف فيه أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة, تكلموا عن الورع, والتقوى, وأعمال القلوب, وكتب كل هؤلاء في هذا, ولكن ابتلينا في عصرنا هذا بمن يريد أن يخالف المنهج النبوي في حقيقة أمره, إلا أنه تزيا -في الظاهر- بالزي النبوي, تراه يطلق لحيته, ويقصر ثوبه, ويضع سواكه فوق أذنه وكأنه من الجيل الأول, ومن السلف الصالح, ثم تراه -في بعض الأحيان عن جهل, وفي بعض الأحيان عن غرور وكبر يخرج على المنهج النبوي, أحداث الأسنان سفهاء الأحلام, يقولون من كلام خير البرية, لا يجاوز إيمانهم تراقيهم, فإنا لله وإنا إليه راجعون.
من مبادئنا التي نسير عليها: أننا نؤمن بالدين الإسلامي كله, لا أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض. وهذا مبدأ معتمد على الكتاب والسنة, ففي الكتاب: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة:85].
وفي السنة: لا تضربوا القرآن بعضه ببعض (ابن أبي شيبة في المنصف, ولذلك فإننا نؤمن بالكتاب والسنة, بكل الكتاب وبكل السنة, نؤمن بالمناهج التي أرادها الله لنا, ونؤمن بمراد الله من خلقه, فإذا أردنا أن نؤصل شيئا ذهبنا إلى الكتاب وإلى السنة المشرفة, ولا نفصل بينهما, فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه, لا يوشك رجل شبعان على أريكته, يقول: عليكم بهذا القرآن, فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه, وما وجدتم فيه من حرام فحرموه.. (أبو داود في سننه والإمام أحمد في المسند).
ورأينا أن الإمام مسلما قد صدر في صحيحه حديث جبريل الذي يرويه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, والذي يقول فيه عمر رضي الله تعالى عنه: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر, لا يرى عليه أثر السفر, ولا يعرفه منا أحد, هذه الصفات جعلته مستغربا, فمن هذا الذي جاء؟ حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه, ووضع كفيه على فخذيه, أي: أنه جلس جلسة المتأدب أمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وهذه كانت جلسة التلميذ أمام المعلم, وجلس يسأله عن الإسلام, وعن الإيمان, وعن الإحسان, وعن الساعة, ويجيبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ثم في نهاية الحديث قال أتدري من السائل؟ فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم، وقد رواه البخاري أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والمتأمل في هذا الحديث يجد أنه يلخص دين الإسلام, لما سأله جبريل عن الإسلام, قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. ولما سأله عن الإيمان, قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. ولما سأله عن الإحسان, قال: أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
هذا ملخص دين الإسلام, هناك عبادة ظاهرة, تتأكد بالأركان الخمسة, وقد قامت طائفة من أمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحفظ الإسلام في أحكامه.. في تشريعه.. في فقهه.. في جهته الظاهرية التي تضبط حياة الإنسان الفرد, وحياة المجتمع, وحياة الجماعة, جهته الظاهرية التي تضبط حركة الاجتماع البشري, والتي تضبط كل الجوانب الاقتصادية والسياسية, والتي تحدد العلاقات بين الناس, وهذه الأمور كلها مضمنة في هذه الأركان الخمسة: في الشهادتين, وفي الصلاة والزكاة, والصيام, والحج, والتي تمثل هوية الإسلام, ولا يجوز لمسلم قادر واع بالغ عاقل أن يتركها.
وقام علماء يدافعون عن (العقيدة الإسلامية) ويبينون للعالمين كيفية الإيمان بالله, والإيمان باليوم الآخر, والإيمان بالتكليف والوحي, والملائكة والأنبياء والرسل, يبينون كل ذلك, ويجيبون عما خطر في بال البشر من مشكلات.. من معضلات.. من أسئلة درسوها واستوعبوها, ثم ردوا على كل أحد بلغته وبأسلوبه. في علم سمي بـ(علم الكلام) أو (التوحيد) وسمي بـ(أصول الدين), هذا العلم الجليل هو الذي يحفظ درجة الإيمان.
لكن هذا الإيمان في مجرد تصديقه وصلته بالإسلام, لا يكفي إلا بالجزء الثالث من حديث جبريل, وهو (الإحسان), فلابد علينا أن نؤمن بهذا أيضا, وهذا هو الجانب الأخلاقي, جانب القيم, يقول صلى الله عليه وآله وسلم عن نفسه: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق (الحاكم في المستدرك), ويقول ربه عز وجل في شأنه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]. وهذا المقام قام السادة الصوفية عبر العصور بحمايته, وبيان هذا الطريق إلى الله, كيف تعبد ربك كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فهو يراك فالتصوف هو العلم الذي يحمي مرتبة الإحسان, فعندما ننشئ علما يبين للناس كيف يعبدون الله -سبحانه وتعالى- كأنهم يرونه, وكيف أنه في حالة الانحطاط عن هذه الرتبة العلية: كأنك تراه, فإنه يراك, كيف يراقبون الله -سبحانه وتعالى- وما ملامح هذه الطريق التي توصل إلى الله, وفي كل ذلك يعتمدون على الكتاب والسنة, يقول سيد الطائفة الجنيد: طريقنا هذا مقيد بالكتاب والسنة.
عندما سمى العلماء ما قاموا به في حماية مرتبة الإسلام بـ(علم الفقه), وسموا ما قاموا به من مجهود في مجال بيان وحماية العقيدة الإسلامية بـ(علم العقيدة) أو (علم التوحيد) أو (علم أصول الدين) أو (علم الكلام), كانت هذه الأسماء لم ترد على ألسنة الصحابة الكرام مباشرة, وإنما كانت أسماء حادثة, وكانت الصحابة تجمع بين كل ذلك من غير عناء, كانوا من أهل اللغة, يفهمون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وفوق كل ذلك فقد تربوا في مدرسة النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يربي بالنظرة, ينظر إلى أحدهم فيربيه.
يشعر المصريون بمصريتهم عبر القرون وفي العصر الحديث وقد تنوعت طوائفهم وأصبحت هناك كثرة مسلمة بعد القرن السادس الهجري وإلى اليوم.
فإن من أصدق ما قيل في وصف الحالة المصرية ما قاله العلامة جمال حمدان –رحمه الله تعالى- في كتابه الماتع شخصية مصر: قد لا توجد -بل قطعا لا توجد- أقلية دينية في العالم كالأقباط في مصر فليس في العالم أقلية دينية عاشت في أعمق أحضان الإسلام وعايشته حتى النخاع في حنايا وظلال مجتمع إسلامي وحضارة إسلامية بالكامل وطوال تاريخه كالأقباط فهي أقلية مشبعة تماما بالجو والبيئة.
1- ويذكرنا هذا بالمادة الخامسة من برنامج الحزب الوطني المصري الذي أسهم في صياغته الشيخ محمد عبده في أوائل يناير سنة 1883م ونصها الحزب الوطني حزب سياسي وليس دينيا فإنه مؤلف من رجال مختلفي العقيدة والمذهب وجميع النصارى وكل من يحرث أرض مصر ويتكلم لغتها منضم إليه لأنه لا ينظر لاختلاف المعتقدات ويعلم أن الجميع إخوان وأن حقوقهم في السياسة والشرائع متساوية.
2- ومع نشوء أول مجلس نيابي في مصر على عهد الخديوي إسماعيل في 1866م نص قانون إنشاء المجلس على أن (كل شخص بلغ من العمر الخامسة والعشرين يمكن ترشيحه على شرط أن يكون أمينا ومخلصا وأن تتأكد الحكومة من أنه ولد في البلاد) ولقد وجد في تشكيل المجلس سنة 1866م أن من أعضائه جرجس برسوم, عمدة بني سلامة, من نواب بني سويف, وميخائيل إثناسيوس, عن أشروبه من المنيا, وفي تشكيل1870م المعلم فرج إبراهيم, عمدة دير مواس, عن أسيوط, وحنا يوسف, عمدة نزلة الفلاحين عن المنيا.
3- ويذكر قليني فهمي باشا في الجزء الأول من مذكراته أن أول قبطي عين قاضيا كان عبد الملاك بك كتكوت بمحكمة قنا, وأن جد قليني باشا فهمي وهو يوسف بك عبد الشهيد, عين مديرا لديوان القضايا في المنيا, وسار قضاء مصر من حينئذ قضاء مصريا يشترك فيه المصريون إلى يومنا هذا.
4- وكان هناك في دمياط الأستاذ ألفونس نيقولا الذي كان يفوز بمنصب نقيب المحامين بالتزكية ولمدة طويلة خلال أربعينيات القرن العشرين وخمسينياته, وكان مشهورا بالكرم وخدمة الناس حتى أحبه الجميع, ويروى عنه أنه كان يحضر في المساجد وينتظر حتى نهاية الصلاة أو نهاية الخطبة مع صلاة الجمعة ليكلم الناس في شأنهم العام, وسمعت أنه خال الأنبا بيشوي, ومثله المقدس عوض الذي كان ينصبه الناس حكما عدلا وخبيرا ناصحا يرجعون إليه لحل مشكلاتهم في حلوان فكان هو الكبير والمرجع حتى بعدما انتقل إلى منطقة شبرا وهو والد الأنبا بسنت.
5- وحين زار النحاس باشا المنصورة, حيث هبت الجماهير لتحيته واستقباله, وكان إلى جواره رئيس لجنة الوفد في المنصورة سينوت بك حنا, وبين ضربات الجند للجماهير, تقدم جندي من فرقة الهجانة السودانية حيث انقض بسونكي بندقيته المسموم إلى صدر النحاس, فارتمى سينوت بك حنا على صدر النحاس باشا وتلقى الطعنة عنه ولقي مصرعه ومات فداء له.
6- وهؤلاء الأبطال الأربعة الذين نقلت الجرائد الأسبوع الماضي خبر محاولتهم إنقاذ رجل كبير في السن فماتوا وعاش, فاستحقوا البطولة والثناء, هي قصة مصرية دائمة الحدوث.
7- فإذا كان الأمر كذلك فما هذا الهتر والحمق الذي يحدث حولنا؟ ما أسبابه؟ وكيف نعالجه؟ ومن سيجلس لوضع الأمر في نصابه؟ إننا أمام كم هائل من البحوث والدراسات ومجهود كبير قامت به عدة مؤسسات وعلماء ومفكرون, لكنه دائما كان على مستوى النخبة, فهل قرأ كتاب المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية للمستشار طارق البشري, أو قرأ الناس مؤلفات الدكتور وليم سليمان قلادة الذي كان يمثل الدعوة إلى المصرية الخالصة والوطنية المستقرة حتى رحيله, هل استطاع أحد أن ينزل بمجهودات وإنتاج المركز القبطي للدراسات الاجتماعية لعموم الناس, هل قرأ أحد عن المواطنة والعولمة لهاني لبيب, هل التفت أحد إلى مسلسل أوان الورد لوحيد حامد، هل قرأ طلاب الثانوية رواية البشموري لسلوى بكر, هل يعرف أحد شيئا عن فيلم حب على شاطئ ميامي, هل هناك من التفت بجدية إلى كتاب أقباط ومسلمون لجاك تاجر, هل قرأ أحد ما أصدره الشيخ حسنين مخلوف من تقرير عن هذا الكتاب في سنة 1952م بقرار من مشيخة الأزهر حينئذ, أو قرأ كتاب الشيخ الغزالي التسامح والتعصب أو كتاب الأقباط في السياسة المصرية للدكتور مصطفى الفقي, أو الإسلام السياسي والمواطنة والأقليات مستقبل المسيحيين العرب في الشرق الأوسط للدكتور أندريه زكي, أو عشرات من أمثال هذه الكتب والمجهودات التي لا يعرفها أحد إلا الطبقة العليا من المثقفين ومن عندهم نهم التتبع والقراءة وقليل من هم, إذا أجابني واحد أنه يعلم ذلك جميعه فليعرف أنه من هؤلاء القلة, أعني أننا في أزمة حقيقية ولسنا نستفيد من كل هذا العلم والبحث والتتبع الذي يجب أن ننزل به إلى عموم الناس عن طريق الإعلام بكل وسائله وعناصره وبكل منتجاته وفنونه.
اهتم المسلمون عبر التاريخ بأدب التعبير عن النفس وتكلموا عن قضية الاستشهاد وهي أن نورد شاهدا ودليلا للكلام, سواء أكان من القرآن أو السنة الشريفة أو الأمثال أو الشعر أو الحكمة المأثورة أو النصوص المنقولة.
لكنهم عظموا القرآن الكريم وعاملوه بقدسية لم يعاملوا بها سائر النصوص الأخرى.
1- فتراهم يجيزون رواية الحديث بالمعني, بشرط أن تكون من فقيه عالم بمقتضيات اللغة حتى ينقل المعنى كما هو وإن اختلف اللفظ, بل رأينا البخاري يقطع الحديث ويرويه مختصرا مرة وكاملا مرة في صحيحه مثل حديث إنما الأعمال بالنيات، والذي ذكره نحو تسع مرات في أبواب مختلفة.
2- كما رأينا روايات مختلفة للشعر الذي أجازوا لأنفسهم فيه ما يمكن أن نسميه التناص, ورأينا ذلك في مجال النقائض الذي كان من أشهرها نقائض جرير والفرزدق, وترى فيها الشاعر يرد على الآخر بقصيدة من نفس الوزن ونفس القافية, ورأينا أيضا النهج, فالبوصيري يكتب بردته في مديح النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-, وعلى نفس الوزن من بحر البسيط يكتب أحمد شوقي نهج البردة الأول يبدؤها فيقول:
أمن تذكر جيران بذي سلم | * | مزجت دمعا جرى من مقلة بدم |
والثاني يقول:
ريم على القاع بين البان والعلم | * | أحل سفك دمي في الأشهر الحرم |
بل رأينا من يخمس هذه القصائد أو يسبعها فيزيد فيها معاني أخرى غير التي ذكرها الأول, ورأينا أيضا في مجال الشعر ظاهرة (الشعر الحبنتيشي) وقد شاع في النصف الأول من القرن العشرين على يد حمام وحسين شفيق المصري وجيلهم, فشوقي يقول:
مال واحتجب.. وادعى الغضب | * | ليت هاجري.. يشرح السبب |
في قصيدة طويلة رقيقة, فيجعلها حمام:
انشال وانخبط.. وادعى العبط | * | ليت هاجري.. يبلع الزلط |
فتتحول القصيدة إلى أضحوكة وسخرية قد تمس القصيدة الأولى وشاعرها, ويصدر حسين شفيق المصري كتابه الظريف بعنوان أبي نواس الجديد ويذكر فيه ما سماه المشعلقات السبع وهي قصائد نظمها على نفس الوزن والقافية للمعلقات السبع, ويبدأ مشعلقة منها فيقول وهو يحاكي بها معلقة طرفة بن العبد:
لزينــب دكــــان بحــــارة منجــــد | * | وقوفا بها صحبي, على هزارهـا |
أنا الرجل الساهي الذي تعرفونه | * | تلــوح بهــا أقفــاص عيـش مقدد
|
يقــولــــون لا تقطـــــع هــــزارك
| * | واقعد حويـط كجـن العطفة المتلبد |
إلى آخر المشعلقة التي يرحب بها الناس ويستأنسون بها لعدم قداسة معلقة طرفة بن العبد ولعدم نزولها في النفوس المنزلة العليا وهو يقول في أولها
لخولة أطـــلال ببرقة ثهمد | * | وقوفا بهـا صحبــي علـى مطيهم |
كأن حدوج المالكيـة غدوة | * | تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد |
يقولون لا تهلك أسى وتجلد | * | خلايا سفيــن بالنواصف مــن دد |
3- حتى إن النظم العلمي لم يسلم من ذلك, فعند قول ابن مالك في ألفيته:
فأخذها بعضهم فقال:
والأصل في الفراخ أن تحمرا | * | وجوزوا التسليق إذ لا ضررا |
4- وهذا التناص رفضه علماء المسلمين مع الكتاب والسنة وضبطوا قضية الاقتباس من القرآن والسنة ووضعوا لها شروطا, وحرموا هذا التناص, بل إنهم حرموا الاستشهاد بالقرآن إذا انتقص أو أوهم الانتقاص لكتاب الله أو سنة نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم- فلا يجوز عندهم أن يقول رجل لابنه واسمه إبراهيم يا إبراهيم أعرض عن هذا, أو ينادي ابنا له اسمه يحيى فيقول له يا يحيى خذ الكتاب بقوة, أو يقول أحدهم وهو يقدم طعامه لأضيافه هنيئا مريئا بما أسلفتم في الأيام الخالية, أو يكتب خياط نحن نقص عليك أحسن القصص, أو محل لعصير القصب وسقاهم ربهم شرابا طهورا, أو محل لإصلاح الساعات ويسألونك عن الساعة, فكل هذا الاستشهاد عد انتقاصا أو إيهاما للنقص فهو حرام (راجع مقدمة تفسير القرطبي).
5- وأشد من ذلك في الحرمة ما فعله بيرم التونسي -أيام تمرده- من محاولة التناص مع القرآن والحديث, ثم رجع في نهاية حياته فتاب وحسنت توبته, وكان يذكر هذه الأيام ويقول: لا أجعل في حل من يروي عني هذا التمرد, وألف رائعته معلنا توبته: دعاني لبيته لحد باب بيته, وعلى الرغم من ذلك نشرت الهيئة المصرية العامة للكتاب الأعمال الكاملة لبيرم التونسي فذكرت محاولاته هذه والتي ما كان ينبغي أن تذكرها وقد تبرأ الرجل منها, وبالرغم من أن مشايخنا قد نهونا عن ذكرها وتردادها, إلا إننا نرى أن بعض الكتاب ما زالوا يفعلون هذا فيحاولون أن يقلدوا النظم القرآني في مسائل تدخل في باب السخرية السياسية أو الاجتماعية, فيقول مثلا تبت يدا فلان وتب ويذكر اسم خصمه السياسي وهو ما لا يليق بجلال القرآن.
6- كثير من هؤلاء الكتاب مسلمون وصالحون, وقد لا يعلمون الحكم الشرعي لهذه الطريقة من التناص التي -وإن صلحت في الشعر أو في الغناء أو في الهزل من القول- فإنها لا تصلح مع جلال كلام الله, والدعوة عامة للكتاب ألا يخوضوا في مثل هذا المسلك مراعاة للأحكام الشرعية من جهة, ومراعاة لشعور المسلمين من جهة أخرى.
والحقيقة أني أردت بهذا المقال بيان الحكم الشرعي والنصيحة في الدين ولم أرد به أي انتقاص من كاتب بعينه والله يهدي الجميع إلى سواء السبيل.
بعد دعوتي السابقة للقراء بقراءة ومطالعة سيرة النبي المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- بصورة متكررة ومستمرة لما فيها من فوائد جمة لا تحصى ومنافع شتى لا تنتهي.
وقد سألني عدد منهم عن أهم المصنفات التي ألفت في السيرة وأشهرها
1- سلك المصنفون والكتاب في السيرة النبوية ثلاث طرق في التصنيف: أولاها: التصانيف المستقلة بوقائع السيرة والتي يمكن حصرها في مرحلتين, المرحلة الأولى: النشأة, ومن أشهر مصنفاتها: مصنف وهب بن منبه, ومصنف محمد بن شهاب الزهري, ومصنف موسي بن عقبة بن أبي عياش القرشي والذي تعد مغازيه من أصح المغازي كما وصفها تلميذه مالك بن أنس, وقال الشافعي فيها: ليس في المغازي أصح من كتابه (يقصد موسى) مع صغره وخلوه من أكثر ما يذكر في كتب غيره, وقال الإمام أحمد: عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة, ولا ندري شيئا عن تصانيف هذه المرحلة, ويعتقد الباحثون أنها تصانيف مختصرة, ولم يبق منها إلا بقايا قليلة, روى بعضها الطبري في تاريخه, ويقال إن بعضها الآخر -وهو جزء مما كتبه وهب بن منبه- محفوظ في مدينة هايدلبرج بألمانيا, ولم يصل إلينا من هذه التصانيف إلا جزء للزهري.
2- أما المرحلة الثانية: فهي مرحلة التصانيف الجامعة, ومن أشهر مصنفاتها: كتاب السير والمغازي, ويسمى أيضا: المبدأ والمبعث والمغازي لابن إسحاق, وقد طبع في معهد الدراسات والأبحاث للتعريب بتحقيق محمد حميد الله -رحمه الله تعالى- وهناك أيضا ما ألفه أبو محمد عبد الملك بن هشام تحت اسم السيرة النبوية مما رواه البكائي عن ابن إسحاق ومما رواه عن شيوخه مما لم يذكره ابن إسحاق, كما أغفل ما رواه ابن إسحاق مما لم يتفق مع ذوقه العلمي وملكته النقدية, فجاء كتابا من أوفى مصادر السيرة النبوية, وأصحها, وأدقها, ولقي من القبول ما جعل الناس ينسبون كتابه إليه, فيقولون: سيرة ابن هشام, وقد طبع مرات كثيرة من أهمها طبعة مصطفي البابي بتحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الإبياري وعبد الحفيظ شلبي -رحمهم الله- في أربعة أجزاء, ومن أشهر الكتب المطبوعة حديثا والتي تأثرت بسيرة ابن إسحاق وسيرة ابن هشام ونقلوا عنها: كتاب جوامع السيرة لعلي بن أحمد ابن حزم طبع بدار المعارف بالقاهرة عام 1956 م وكتاب الدرر في اختصار المغازي والسير ليوسف بن عبد البر النمري وطبع أيضا في دار المعارف 1403 هـ.
3- الطريقة الثانية: تتمثل في التصانيف التي دونت في بعض جوانب السيرة النبوية, والتي من الممكن تقسيمها عدة مجموعات: مجموعة تختص بالشمائل والخصائص والأخلاق, ومن أشهر مصنفاتها: كتاب الشمائل المحمدية للترمذي, طبع مرات كثيرة, وكتاب أخلاق -النبي صلى الله عليه وآله وسلم- لأبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهاني, طبع في دار المسلم بالرياض 1998م بتحقيق د. صالح بن محمد الونيان, وكتاب غاية السول في خصائص النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لعمر بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله سراج الدين أبي حفص الأنصاري, طبع بدار البشائر الإسلامية ببيروت 1993م بتحقيق عبد الله بحر الدين عبد الله, أما المجموعة الثانية: فهي كتب دلائل النبوة, ومن أشهرها: دلائل النبوة للإمام البيهقي وطبع مرات عديدة آخرها في دار الكتب العلمية, وكتب دلائل النبوة لأبي نعيم طبع بالهند, والمجموعة الثالثة: شملت ما كتب عن أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم وذريته وخدمه ومواليه, ومن أشهرها: المنتخب من كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم للزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب الزبيري, طبع بمؤسسة الرسالة ببيروت 1403هـ بتحقيق سكينة الشهابي, وكتاب الذرية الطاهرة النبوية لحماد الدولابي, طبع بالدار السلفية بالكويت 1407هـ بتحقيق سعد المبارك الحسن, وكتاب الفخر المتوالي فيمن انتسب للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من الخدم والموالي لأبي الخير, وطبع بمكتبة المنار, بالزرقاء 1987م بتحقيق مشهور حسن محمود سليمان, والمجموعة الرابعة: تكلمت عن أصحابه -صلى الله عليه وآله وسلم- مثل: فضائل الصحابة للإمام أحمد بن حنبل, طبع بمؤسسة الرسالة ببيروت 1403 هـ بتحقيق د. وصي الله محمد عباس, وكتاب الإصابة لابن حجر, وقد طبع مرات عديدة, وكتاب الاستيعاب لابن عبد البر, وطبع مرات كثيرة أيضا, وهناك مجموعة تكلمت عن الحرف والمهن التي كانت في عهد النبوة, مثل: كتاب تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- من الحرف للخزاعي وطبع بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بتحقيق أحمد محمد أبو سلامة, ثم طبع بدار الغرب الإسلامي ببيروت 1405هـ بتحقيق د. إحسان عباس.
4- والطريقة الثالثة: هي كتب المعاصرين والذين تناولوا السيرة العطرة من مشارب متنوعة, فمنهم من تأثر بسيرة ابن إسحاق مثل أبو الحسن الندوي في كتابه السيرة النبوية, طبع في القاهرة 1973م, ومنهم من تأثر بابن هشام مثل كتاب نبي البر محمد لإبراهيم الإبياري وطبع بمطابع الشعب عدة مرات, ومنهم من تأثر بالمدرسة الصوفية مثل فقه السيرة للبوطي طبع دار السلام 2008م, ومنهم من تأثر بالمدرسة العقلية مثل كتاب فقه السيرة لمحمد الغزالي طبع دار الكتاب العربي 1953م, ومثل كتاب محمد رسول الله لمحمد الصادق عرجون طبع دار القلم سنة 1995م.
اللهم اهد بصيرتنا بهدي نبيك, ونور قلوبنا بالصلاة عليه, وألحقنا به في الآخرة وأنت راض عنا يا رحمن الدنيا والآخرة, آمين.
اليوم الحلقة الأخيرة من وصف بهاء وجمال سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- ونكون بذلك استكملنا تفاصيل جسده الشريف بما ورد إلينا في السنة الشريفة, كمحاولة لتقريب صورته إلى ذهن الأجيال الحاضرة والقادمة من المسلمين, والتفاصيل الباقية من أوصافه الشريفة كما يلي:
31- شيبه- صلى الله عليه وآله وسلم:
لم ينتشر الشيب في شعر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وإنما كان قليل الشيب, فلم يكن عنده شيب إلا في سبع عشرة شعرة في مقدمة لحيته, وكذلك عنفقته -صلى الله عليه وآله وسلم- كما مر, وكان ما حدث له من شيب بسبب تدبر القرآن والخشية من الله, فعن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: قال أبو بكر- رضي الله عنه-: يا رسول الله قد شبت! قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: شيبتني هود وأخواتها (رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه), وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: إنه لم ير منه الشيب إلا نحو سبعة عشر, أو عشرين شعرة في مقدم لحيته (أخرجه ابن ماجه في سننه وأحمد في مسنده).. وكان البياض في العنفقة قليلا, وفي الرأس نبذ يسير لا يكاد يرى.
32- عرقه- صلى الله عليه وآله وسلم:
كان عرقه -صلى الله عليه وآله وسلم- على وجهه كاللؤلؤ الرطب, وكان ريح عرقه المسك, وكان ذلك من خصائصه, وكان أصحابه يلتمسون عرقه ويجمعونه للتطيب به لجمال رائحته, وقد ثبت كل ذلك بالسنة الصحيحة, فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كأن عرقه اللؤلؤ (صحيح مسلم), وعنه -رضي الله عنه- قال: ولا شممت مسكا قط ولا عطرا كان أطيب من عرق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم (رواه الترمذي وأصله في الصحيحين), وعنه -رضي الله عنه- قال: دخل علينا-صلى الله عليه وآله وسلم- فقال عندنا (من القيلولة), فعرق, وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها, فاستيقظ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك, نجعله في طيبنا, وهو من أطيب الطيب (البخاري ومسلم واللفظ لمسلم), وفي رواية لمسلم: فقالت: يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا, قال: أصبت.
33- اعتدال خـلقه -صلى الله عليه وآله وسلم:
كان- صلى الله عليه وآله وسلم- معتدل الخلقة متماسكا, ليس بمسترخي اللحم ولا كثيره, وكان جسمه حسنا أبيض, وثبت ذلك الوصف في سنته الشريفة, فروي: كان رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- أبيض مليحا مقصدا (صحيح مسلم), أي ليس بجسيم ولا نحيف ولا قصير ولا طويل.
34- قوامه -صلى الله عليه وآله وسلم:
كان -صلى الله عليه وآله وسلم- متناسق القوام ربعة, لا عيب في صورته ولا في جسده, تألفه العين, وتنبهر بجماله إذا اقترب, وثبت ذلك في سنته الشريفة, حيث روي: كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- رجلا مربوعا (مربوعا: وسطا بين الطول والقصر ولكنه إلى الطول أقرب). (البخاري ومسلم).
35- إبطه- صلى الله عليه وآله وسلم:
كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أبيض الإبطين, وقد ذكر ذلك أنس-رضي الله عنه- وغيره من الصحابة, فعن عبد الله بن مالك ابن بحينة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا سجد فرج بين يديه حتى نرى بياض إبطيه (البخاري ومسلم).
36- مشيه- صلى الله عليه وآله وسلم:
كان لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مشية مميزة, فكانت الأرض تتواضع وتخضع تحت قدمه, فكان يـرى -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو يمشي في الطريق المستوي وكأنه منحدر, وكان ذلك إجلالا من تلك الأرض التي شرفت بسير رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عليها, كما أنه كان يسير في همة وقوة -صلى الله عليه وآله وسلم- وكان يمشي مسرعا, وكان أصحابه يمشون بين يديه ويتركون ظهره للملائكة, وكان -صلى الله عليه وآله وسلم- لا يلتفت في مشيه.
فعن أنس-رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا مشى تكفأ, أي كأنما ينزل من موضع منحدر (البخاري ومسلم), وروي كذلك: كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا مشي تقلع (رفع الرجل من الأرض بهمة وقوة, لا مع التراخي وتقارب الخطا) (رواه الترمذي في سننه وفي الشمائل) وكان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا مشي مشي أصحابه أمامه وتركوا ظهره للملائكة (أخرجه ابن ماجه في سننه وأحمد في مسنده), وكان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا مشي لم يلتفت (رواه الحاكم في المستدرك), وكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-إذا مشي أسرع (رواه الحاكم في المستدرك).
37- خاتم النبوة:
كان خاتم النبوة عند رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يشبه الغدة الحمراء, وحجمه مثل بيضة الحمامة, وكان موقعه بين كتفيه -صلى الله عليه وآله وسلم- في أعلى الظهر, وكان أميل للكتف الأيسر, وقد ذكره غير واحد من أصحابه -رضي الله عنهم- بذلك الوصف, فعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: رأيت الخاتم بين كتفي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- غدة حمراء مثل بيضة الحمامة (رواه الترمذي في سننه) قال القرطبي -رضي الله عنه-: اتفقت الأحاديث الثابتة على أن خاتم النبوة كان شيئا بارزا عند كتفه الأيسر (فتح الباري, للحافظ ابن حجر العسقلاني). فكان -صلى الله عليه وآله وسلم- كما قال الإمام البوصيري:
فهـــو الذي تــــم معنــــاه وصورتــه | * | ثـم اصطفـــاه حبيبــــا بــارئ النســـم |
منــزه عـــن شريــــكٍ في محاسنــه | * | فجــوهــر الحســن فيـه غيـر منقسـم |
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرفٍ | * | وانســب إلى قـدره ما شئـت من عظم |
فـإن فضــل رســـول الله ليــس لـــه | * | حــــد فيعـــــرب عـــــن ناطــــقٌ بفـــم |
ونستمر اليوم في الحلقة الرابعة من وصف سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بواقع ما ورد إلينا من أدلة من سنته الشريفة, ونأمل من ذلك تقريب صورته الشريفة إلى الجيل الحالي من المسلمين الذين لم يفوزوا بشرف رؤيته صلى الله عليه وآله وسلم, ونستكمل اليوم بقية تفاصيل جسده الشريف كما يلي:
22- مفاصله صلى الله عليه وآله وسلم:
كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عظيم المفاصل وبارزة وواضحة ليست مغطاة باللحم من السمنة, وكان حجم مفاصله متناسبا مع باقي أعضائه في تناغم وتناسق رائع, وثبت ذلك الوصف في سنته الشريفة فقد روي: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضخم الكراديس (رءوس مفاصل العظام) (أخرجه الترمذي في سننه وفي الشمائل والإمام أحمد في مسنده), كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جليل المشاش (المفاصل مثل المرفقين والمنكبين والركبتين) (رواه الترمذي في سننه وفي الشمائل).
23- كفه صلى الله عليه وآله وسلم:
كان حجم كفه صلى الله عليه وآله وسلم متناسبا مع حجم قدميه, ومتناسقا مع طول ذراعه, وباقي أعضائه, وكان صلى الله عليه وسلم عظيم الكفين, ولين الكفين, فلم يكن هناك أبسط ولا ألين ولا أنعم من كفيه صلى الله عليه وآله وسلم, وكانت رائحتهما المسك دائما, وحرارتهما بردا مريحا, وهذا ما وصفه به أصحابه رضي الله عنهم, فقد روي عن أنس رضي الله عنه قال: ما مسست قط خزا ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (البخاري ومسلم), وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبطحاء, وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوههم, فأخذت يده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك (أخرجه البخاري في صحيحه).
24- أصابعه وراحته صلى الله عليه وآله وسلم:
كانت راحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واسعة, وكانت أصابعه كأنها قضبان الفضة, في تناسقها مع حجم الكف وباقي الأعضاء, وفي سهولتها واستوائها, وثبت ذلك فروي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحب الراحة, سائل الأطراف كأن أصابعه قضبان فضة (رواه البيهقي في دلائل النبوة).
25- ما بين منكبيه صلى الله عليه وآله وسلم:
كانت المسافة بين منكبيه صلى الله عليه وآله وسلم بعيدة, وهو ما يعطي عرضا في أعلى الظهر, وفي الصدر, وثبت ذلك الوصف كذلك في السنة, فروي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مربوعا بعيدا ما بين المنكبين (أي عريضا أعلى الظهر) (البخاري ومسلم).
26- أذناه صلى الله عليه وآله وسلم:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تام الأذنين, أي أن استدارتهما مكتملة, وليست جدعاء, وكانت متناغمة مع حجم رأسه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم وتقاسيم وجهه المبارك صلى الله عليه وآله وسلم, وثبت ذلك في السنة, فروي: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تام الأذنين (رواه ابن سعد في الطبقات).
27- شعره صلى الله عليه وآله وسلم:
كان شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شديد السواد, وناعما ولكن ليس النعومة المذمومة التي لا يستقر الشعر بها, ولكنها نعومة متماسكة, وكان طويل الشعر, فكان يصل شعره صلى الله عليه وآله وسلم إلى منكبيه, وكل ذلك ثبت في السنة الشريفة, فروي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم يضرب شعره إلى منكبيه (البخاري ومسلم), كان شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس بالجعد القطط ولا السبط (أي ليس فيه التواء وانقباض, ولا بالمسترسل) (البخاري ومسلم), وقد حلق صلى الله عليه وآله وسلم جميع رأسه في حجة الوداع.
28- لحيته صلى الله عليه وآله وسلم:
كان صلى الله عليه وآله وسلم عظيم اللحية, كثير شعرها, وكانت لحيته سوداء, ولم يكن بها شيب إلا في سبع عشرة شعرة عدها أصحابه رضي الله عنهم, وثبت ذلك في سنته صلى الله عليه وآله وسلم فروي: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثير شعر اللحية (أخرجه مسلم في صحيحه), وكان أبو هريرة رضي الله عنه يصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: كانأسود اللحية حسن الثغر (رواه البيهقي في دلائل النبوة).
29- شاربه صلى الله عليه وآله وسلم:
كان هديه صلى الله عليه وآله وسلم قص الشارب, وليس حلقه بالكلية, وإنما كان يخفف شاربه حتى كان يرى بياض ما أسفل الشعر في شاربه, وكان يأمر بذلك, ويجعله صلى الله عليه وآله وسلم تمييزا للمسلمين عن غيرهم, فعن ابن عباس رضي الله عنه: أن رسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يقص شاربه ويذكر أن إبراهيم عليه السلام كان يقص شاربه (أخرجه الترمذي في سننه والإمام أحمد في مسنده).
30- عنفقته صلى الله عليه وآله وسلم:
والعنفقة: هي الشعر القليل الذي في الشفة السفلى, وقيل: الشعر الذي بينها وبين الذقن, وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميل العنفقة, وشابت تلك العنفقة كما ثبت في السنة الشريفة, فعن أبي جحيفة السوائي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ورأيت بياضا من تحت شفته السفلى العنفقة (أخرجه البخاري في صحيحه).
ونستمر في فلك وصف جمال وحسن وبهاء سينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم, ساعين إلى مساعدة من لم يره من أتباعه في تخيل صورته البهية, وقد وقفنا عند وصف رأسه الكريم الذي وصفه أصحابه رضي الله عنهم, فيما أخرجه الإمام أحمد, أنه كانا عظيما, أما بقية تفاصيل جسده الشريف فهي كما يلي:
13- كتفاه صلى الله عليه وآله وسلم:
كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم الكتفين متناسقتين مع رأسه ومع باقي تقسيم جسده المبارك صلى الله عليه وآله وسلم, وقد ثبتت عظمة وضخامة كتفيه صلى الله عليه وآله وسلم في سنته الشريفة, فيما رواه هند بن أبي هالة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وغيرهما; أنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضخم الكراديس (رؤوس العظام) (أخرجه أحمد في مسنده والترمذي في الشمائل وفي سننه).
14- صدره صلى الله عليه وآله وسلم:
كان صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عريضا شديدا مستويا, وكان أبيض الصدر كالقمر صلى الله عليه وآله وسلم, وهذا ما ثبت في وصفه الشريف في سنته أنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سواء البطن والصدر عريض الصدر (رواه الترمذي في الشمائل والطبراني في الكبير).
15- بطنه صلى الله عليه وآله وسلم:
لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بجر, أي لم يكن بطنه كبيرا, وإنما كان بطنه سواء بصدره, إذ بروز البطن وكبره من عيوب الجسد, وكان جسده صلى الله عليه وآله وسلم ليس فيه عيب, فهو الذي تم معناه وصورته صلى الله عليه وآله وسلم, فقد ثبت في سنته صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سواء البطن والصدر (رواه الترمذي في الشمائل والطبراني في الكبير).
16- مسربته صلى الله عليه وآله وسلم:
المسربة هي الشعر الدقيق الذي يبدأ من الصدر وينتهي بالسرة, وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طويل المسربة, وقد ثبت وصف طول مسربته صلى الله عليه وآله وسلم عن أصحابه وزوجاته رضي الله عنهم, فعن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طويل المسربة (أخرجه أحمد في مسنده والترمذي في جامعه) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عريض الصدر, موصول ما بين لبته إلى سرته بشعر منقاد كالقضيب, لم يكن في صدره ولا بطنه شعر غيره (رواه أبو نعيم والبيهقي وابن عساكر).
17- ظهره صلى الله عليه وآله وسلم:
كان ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميل المنظر, وكأنه سبيكة فضة من صفائه واستوائه, وذكر ذلك محرش الكعبي رضي الله عنه قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, من الجعرانة ليلا, فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة (أخرجه أحمد في مسنده).
18- ذراعاه صلى الله عليه وآله وسلم:
كان طول ذراعي النبي صلى الله عليه وآله وسلم متناسبا متناغما مع باقي جسده الشريف, وكان يعلو ذراعيه شعر كثيف, وقد ثبت ذلك الوصف في السنة النبوية, مما ذكر أصحابه رضي الله عنهم أنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طويل الزندين, ضخم الكراديس, أشعر الذراعين (رواه الترمذي في الشمائل والطبراني في الكبير).
19- ساقاه صلى الله عليه وآله وسلم:
كان صلى الله عليه وآله وسلم جميل الساقين, لم تكونا ضخمتين فتنكرا, فكانتا متوسطتين بين الضخامة المنكرة, والدقة المستنكرة, وكان صلى الله عليه وآله وسلم شديد بياض الساقين كذلك, وذلك ما وصفه به أصحابه رضي الله عنهم, فقد ثبت في السنة ما يلي: كان في ساقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حموشة -أي لم تكونا ضخمتين- (رواه الترمذي في سننه), وكانت ساقاه صلى الله عليه وآله وسلم في غاية الحسن والجمال, قال سراقة بن مالك: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما دنوت منه وهو على ناقته, جعلت أنظر إلى ساقه كأنها جمارة. قلت: يعني من شدة بياضها (رواه ابن سعد في الطبقات والطبراني في الكبير).
20- عقبه صلى الله عليه وآله وسلم:
لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممتلئ لحم العقب كالنساء, وإنما كان قليل لحم العقب, وهو أنسب للرجال, وكان عقبه يتناسب مع شكل وجمال ساقه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم, حيث ثبت ذلك في السنة, فقد روي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منهوس العقب (أي قليل لحم العقب) (أخرجه الإمام مسلم في صحيحه). وهذا أنسب للرجال.
21- قدماه صلى الله عليه وآله وسلم:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضخم القدمين, متناسبة مع ساقه وباقي أعضائه الشريفة, ولم يكن في باطن قدمه ارتفاع, فكان يطأ صلى الله عليه وآله وسلم الأرض بقدمه كلها, وذلك ما ثبت في وصف أصحابه له والسيدة عائشة رضي الله عنهم, فعن أنس رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضخم اليدين والقدمين, حسن الوجه, لم أر بعده ولا قبله مثله, وكان بسط الكفين (أخرجه البخاري في صحيحه). كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطأ الأرض بقدمه كلها ليس لها أخمص -أي ارتفاع في باطن القدم- (أخرجه البخاري في الأدب المفرد).
نستمر اليوم ما تناولناه سابقا في سرد تفاصيل حسن سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ووصف جسده الشريف, وذلك بإلقاء الضوء على كل جزئية من جسمه وتبيين صورتها بأثر خاص بها ورد في كتب السنة النبوية, ساعين إلى مساعدة أبنائنا من هذا الجيل والذين لم يفوزوا بفرصة وشرف لقائه على تخيل صورته الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم عسى الله أن يرزقنا رؤيتها في الدنيا والآخرة, وكنا قد ذكرنا أن وجهه صلى الله عليه وآله وسلم كان كالقمر ليلة البدر في حديث هند بن أبي هالة رضي الله عنه, وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل الشمس والقمر مستديرا (أخرجه مسلم في صحيحه), أما عن تفاصيل وجهه الشريف فهي كما يلي:
4- عيناه صلى الله عليه وآله وسلم:
كان صلى الله عليه وآله وسلم جميل العينين, متسعتان, وقد ذكر ذلك سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, عظيم العينين, أهدب الأشفار, مشرب العينين بحمرة, كث اللحية (رواه الإمام أحمد والبزار في مسنديهما), وقال جابر بن سمرة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضليع الفم –أي واسع الفم-, أشكل العينين, -أي طويل شق العينين- منهوس العقب -أيقليل لحم العقب- (رواه مسلم في صحيحه والترمذي في جامعه) وقال علي رضي الله عنه: كان في الوجه تدوير, أبيض, أدعج العينين, أهدب الأشفار (رواه الترمذي في الشمائل المحمدية وفي الجامع, وابن أبي شيبةفي مصنفه).
5- أشفاره صلى الله عليه وآله وسلم:
ويقصد بأشفاره صلى الله عليه وآله وسلم ما يعرفه الناس بلفظ (رموش العين), وكانت أشفاره صلى الله عليه وآله وسلم طويلة وجميلة المنظر كما وصفه أصحابه رضي الله عنهم فقد ثبت في وصفه في السنة أنه: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, عظيم العينين, أهدب الأشفار, مشرب العينين بحمرة, كث اللحية (رواه الإمام أحمد والبزار في مسنديهما).
6- فمه صلى الله عليه وآله وسلم:
كان صلى الله عليه وآله وسلم عظيم الفم, فكان فمه كبيرا متناسقا مع وجهه صلى الله عليه وآله وسلم, وثبت ذلك في الآثار المروية في سنته الشريفة, ففي جزء الحديث الذي يرويه شعبة, عن سماك بن حرب, عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضليع الفم.. قال شعبة: قلت لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم (أخرجه مسلم في صحيحه).
7- أسنانه صلى الله عليه وآله وسلم:
كانت أسنان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيضاء رقيقة ليست بالغليظة, وكان بين أسنانه صلى الله عليه وآله وسلم انفراج يضفي جمالا على بياضها, فإذا تكلم صلى الله عليه وآله وسلم وكأن النور يخرج من فمه الشريف, وثبت ذلك الوصف كذلك في سنته في وصف أصحابه رضي الله عنهم له, فثبت أنه: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشنب مفلج الأسنان (رواه الترمذي في الشمائل), والفلج: هو انفراج ما بين الأسنان, والأشنب: هو الذي أسنانه بيضاء رقيقة, وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفلج الثنيتين, إذا تكلم رؤي كالنور يخرج من بين ثناياه (رواه الدارمي في سننه وعنه الترمذي في الشمائل).
8- أنفه صلى الله عليه وآله وسلم:
وكان صلى الله عليه وآله وسلم أقنى الأنف أي أن أنفه لها ارتفاع ليست منبطحة على الوجه, وكان هذا الارتفاع مع دقة في طولها, في مظهر رائع متناسق مع جمال وجهه وصورته صلى الله عليه وسلم, وثبت ذلك في وصفه في السنة الشريفة فقد ثبت في حديث هند بن أبي هالة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان: أقنى العرنين, له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم (الأنف يكون فيه دقة مع ارتفاع في قصبته) (رواه الترمذي في الشمائل).
9- خده صلى الله عليه وآله وسلم:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبيض الخد وسهل الخدين وفي بياضهما حمرة, وقد ثبت وصف خده كذلك في سنته الشريفة كما ذكر هند بن أبي هالة وغيره أنه: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهل الخدين (رواه الترمذي في الشمائل), وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبيض اللون, مشربا بحمرة, دعج العين, سبط الشعر, كث اللحية, سهل الخد (رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى).
10- جبينه صلى الله عليه وآله وسلم:
وكان صلى الله عليه وآله وسلم واسع الجبهة والجبين وكأن الشمس تجري في جبهته الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم, وذلك عين ما وصفه به أصحابه رضي الله عنهم فقد ثبت عنهم في وصفهم له أنه: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واسع الجبين (رواه الترمذي في الشمائل).
11- عنقه صلى الله عليه وآله وسلم:
كان صلى الله عليه وآله وسلم أحسن الناس عنقا, فلم يكن صلى الله عليه وآله وسلم قصير العنق, ولا طويل العنق, وكأن عنقه إبريق فضة قد شيب ذهبا, وهذا ما وصفه به علي رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها, قال رضي الله عنه في وصفه له صلى الله عليه وآله وسلم: كأن عنقه إبريق فضة (رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى).
12- رأسه صلى الله عليه وآله وسلم:
كان رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عظيما, كبيرا متناسبا مع باقي جسده الشريف صلى الله عليه وآله وسلم في تناغم وتناسق رائع, وثبت ذلك الوصف في سنته عن أصحابه رضي الله عنهم أنه: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عظيم الرأس (أخرجه أحمد في مسنده).
لرؤية جمال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر كبير في ارتقاء الناس في الدنيا والآخرة, فبرؤيته يرقى العبد في مراقي العبودية إلى الله مدارج لا يعلمها إلا الله, ومن هذا ما أجمع عليه المسلمون من أنه لا يسمى الصحابي بهذا الاسم إلا بلقائه رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتماعه بجسده الشريف, وإن كان معه في عصره فقط لا يعتبر صحابيا. فقد ارتفع الصحابة منزلة على رءوس العالمين بسبب اجتماعهم به صلى الله عليه وسلم, ورؤيتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم والنظر إليه, وكذلك كانت رؤية صورته الشريفة في المنام من أكبر منن الله على المسلم الصادق إذ يقول صلى الله عليه وسلم من رآني في المنام فقد رآني (أخرجه البخاري ومسلم).
وقد تعجب أصحابه من جماله, ومدح ذلك الجمال فيه صلى الله عليه وسلم, فقد قال حسان بن ثابت:
وأجمل منك لم تر قط عيني | * | وأكمل منك لم تلد النساء |
خلقت مبرءا من كل عيب | * | كأنك قد خلقت كما تشاء |
فكان هذا الجمال المغطى بالجلال, والمكسو بجميل الخصال وحميد الخلال سببا في دخول الإيمان قلب كل صادق غير متبع لهوى. وكان أصحابه يعظمونه ويهابونه ويقومون لهذا الجمال والجلال تأدبا منهم, وعجزوا عن ترك القيام برغم أن النبي صلي الله عليه وسلم نهاهم عن ذلك القيام أخرجه أبو داود في سننه لشدة جماله وبهائه صلى الله عليه وسلم فقال حسان:
قيامي للحبيب علي فرض | * | وترك الفرض ما هو مستقيم |
عجبت لمن له عقل وفهم | * | ويرى ذاك الجمال ولا يقوم |
ورؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتاج إلى تصوره وتخيله, وهذا لا يكون إلا إذا علمت أوصافه وشمائله, ولم يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرون لما كان يعلوه صلى الله عليه وسلم من الجلال, فكانوا لا يستطيعون النظر إلى وجهه الكريم, فقد وصفته أم معبد, وهند بن أبي هالة, وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم, فأما حديث أم معبد فتقول: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة, أبلج الوجه مشرق الوجه لم تعبه نحلة نحول الجسم ولم تزر به صعلة والصعلة صغر الرأس, وخفة البدن ونحوله وسيم قسيم حسن وضئ في عينيه دعج شدة السواد وفي أشفاره وطف طويل شعر الأجفان وفي صوته صهل بحة وحسن وفي عنقه سطع طول وفي لحيته كثاثة كثافة الشعر أزج أقرن حاجباه طويلان ورقيقان ومتصلان إن صمت فعليه الوقار, وإن تكلم سماه وعلاه البهاء, أجمل الناس وأبهاهم من بعيد, وأجلاهم وأحسنهم من قريب, حلو المنطق, فصل لا نزر ولا هذر كلامه بين وسط ليس بالقليل ولا بالكثير, كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن, ربعة لا تشنؤه من طول, ولا تقتحمه عين من قصر ربعة ليس بالطويل البائن ولا القصير غصن بين غصنين, فهو أنضر الثلاثة منظرا, وأحسنهم قدرا, له رفقاء يحفون به, إن قال أنصتوا لقوله, وإن أمر تبادروا لأمره, محشود محفود عنده جماعة من أصحابه يطيعونه لا عابس ولا مفند غير عابس الوجه, وكلامه خال من الخرافة (رواه الطبراني في الكبير). وفيما يلي نذكر تفاصيل حسنه صلى الله عليه وسلم ووصف جسده, كل جزئية بأثر خاص بها, حتى نتخيل صورته الشريفة عسى الله أن يرزقنا رؤيتها في الدنيا والآخرة.
1- حسنه صلى الله عليه وسلم:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس في كل شيء, وقد تكلم أصحابه عن حسنه في الأحاديث المختلفة نذكر منها: ما وصفه به أصحابه رضي الله عنهم إذ قالوا: (فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها, وأحسنهم خلقا, ليس بالطويل البائن, ولا بالقصير) أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه, حتى كأن وجهه صلى الله عليه وسلم قطعة قمر. (أخرجه البخاري ومسلم) كان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل الشمس والقمر وكان مستديرا أخرجه مسلم في صحيحه.
2- لونه صلى الله عليه وسلم:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض اللون أزهر, حسن الوجه, وقد ثبت في صحيح سنته ذلك, فد ورد في وصف أصحابه رضي الله عنهم له أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم أبيض مليح الوجه أخرجه مسلم في صحيحه كان النبي صلى الله عليه وسلم أزهر اللون أبيض مشرب بحمرة (أخرجه البخاري ومسلم).
3- وجهه صلى الله عليه وسلم:
وكان وجهه صلى الله عليه وسلم كالقمر يتلألأ كما ذكر هند بن أبي هالة رضي الله عنه وغيره حيث قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم فخما مفخما, يتلألأ وجهه كتلألؤ القمر ليلة البدر (أخرجه البخاري ومسلم) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه, حتى كأن وجهه قطعة قمر (أخرجه البخاري ومسلم) كان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الشمس والقمر مستديرا (أخرجه مسلم في صحيحه).