قد يظن البعض أن ذبح الحيوان يتعارض مع الرفق والرحمة به وهذا فهم خطأ فلقد اهتم الإسلام بالحيوان وأكد على ضرورة التعامل معه بالرأفة والرحمة فهو مسخر للبشر وغير قادر على التعبير عن احتياجاته وآلامه ولذلك كان الاهتمام به أكبر فنرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل العصفور فقال: «ما من إنسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حق إلا سأله الله عز وجل عنها» (رواه النسائي) ويبين أن الإساءة للحيوان وتعذيبه والقسوة معه تدخل الإنسان في عذاب الله ونار جهنم والعياذ بالله فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» (رواه البخاري ومسلم).
وجعل الإسلام دخول الجنة جزاء للرفق بالحيوان وأن الرفق به قد يكون سبباً في تجاوز الله عن كبائر وقع فيها الإنسان فقال صلى الله عليه وسلم: «بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به» (رواه البخاري ومسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي فنزل البئر فملأ خُفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له» قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: «نعم في كل ذات كبد رطبة أجر» (رواه البخاري ومسلم)وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحُمرة فجعلت تفرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها» (رواه أبو داود).
فالإسلام حرم قتل الحيوان جوعاً أو عطشاً وحرّم المكث على ظهره طويلاً وهو واقف وحرّم إرهاقه بالأثقال والأعمال الشاقة وحرّمت الشريعة التلهي بقتل الحيوان كالصيد للتسلية لا للمنفعة واتخاذه هدفاً للتعليم على الإصابة ونهى الإسلام عن كي الحيوانات بالنار في وجوهها للوسم أو تحريشها ببعضها بقصد اللهو وأنكر العبث بأعشاش الطيور وحرق قرى النمل.
وقد أوجب الإسلام نفقة مالك الحيوان عليه فإن امتنع أُجبر على بيعه أو الإنفاق عليه أو تسييبه إلى مكان يجد فيه رزقه ومأمنه وإذا لجأت هرة عمياء إلى بيت شخص وجبت نفقتها عليه حيث لم تقدر على الانصراف.
ولم يعاقب المسلمون الحيوان بما جنى على غيره وإنما عاقبوا صاحبه إذا فرّط في حفظه وربطه ومنعوا أن يؤجّر الحيوان لمن عُرف بقسوته على الحيوان خشية أن يجور بقسوته وغلظته عليه.
وراعى الإسلام الحالة الصحية للحيوانات وأمر بالحجر الصحي عند انتشار الأوبئة والأمراض المعدية للحفاظ على باقي الحيوانات قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُورِدن ممرض على مُصح» (رواه البخاري ومسلم) والممرض الذي له إبل مرضي والمصح: صاحب الصحاح وهو نهي للممرض أن يسقي أو يرعى إبله المصح لأن ذلك من الأسباب العادية للمرض إذ الجرب الرطب قد يكون بالبعير فإذا خالط الإبل أو حككها أو أوى إلى مباركها وصل إليها بالماء الذي يسيل منه.
وقد حوّل المسلمون الرحمة بالحيوان في حضارتهم إلى واقع معيش فأنشأوا مساقي الكلاب وفي العصر المملوكي وبالتحديد في تكية محمد بك أبو الذهب بنيت صوامع للغلال لتأكل منها الطير وأنشأوا مبرات للبيطرة وصيروها علماً لتخفيف الألم عن الحيوان.
مما سبق يتضح لنا أن الإسلام أحاط الحيوان بالرأفة والرحمة فكيف يمكننا الجمع بين الرحمة والرأفة بالحيوان وبين الأمر بذبحه سواء لأكله أو تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى؟
هناك اتفاق بين البشر على منفعة أكل لحوم الحيوانات مأكولة اللحم «الجمال البقر الماشية الأرانب» أو الطيور «الدجاج الأوز البط الحمام» ولا يعقل أن يأكل الناس هذه الحيوانات والطيور وهي حية فلابد من قتلها.
إذن فإن عقلاء البشر يتفقون على ضرورة قتل الحيوان للاستفادة من منفعته التي خلقها الله وجاء الإسلام بالإذن في ذلك إلا أنه حدد وسيلة ذلك القتل ألا وهي الذبح وغير المسلمين من أصحاب الدعوات الحديثة يرون أن قتل الحيوان بالذبح تعذيب له ويرون أنه من الرحمة قتله بالصعق الكهربائي أو الضرب على رأسه وهذا أمر يتنافى مع الشرائع السماوية لمختلف الأديان كاليهودية بل ويتنافى كذلك مع التقارير الطبية الحديثة.
ولذلك فلا تعارض بين الرحمة بالحيوان والامتثال لأمر الله بذبحه للانتفاع الذي أذن الله به ولتحقيق وظيفة هذا الحيوان في الكون التي خلقها الله من أجله وهي أن يأكله الإنسان ليحدث التوازن البيئي الكوني.
عندما ينوي المسلم الإحرام للحج فعليه أن يحدد الهيئة التي سيؤديها فللحج ثلاث هيئات: هي الإفراد والقران والتمتع وبيان كل هيئة فيما يلي:
1- الإفراد: وهو أن يحرم الحاج بالحج فقط عند إحرامه فيقول «لبيك اللهم حجًّا» ثم يأتي بأعمال الحج وحده.
2- القران: وهيئته أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً فيقول: «لبيك اللهم عمرة وحجًّا» فيأتي بهما في نسك واحد وقال الجمهور: إنهما يتداخلان فيطوف طوافاً واحداً ويسعي سعياً واحداً ويجزئه ذلك عن الحج والعمرة وقال الحنفية: يطوف القارن طوافين ويسعي سعيين طواف وسعي للعمرة ثم طواف الزيارة والسعي للحج ويجب علي القارن أن ينحر هدياً بالإجماع.
3- التمتع: وهو أن يحرم بالعمرة فقط في أشهر الحج فيقول: «لبيك اللهم عمرة» ويأتي مكة فيؤدي مناسك العمرة ويتحلل ويمكث بمكة حلالاً ثم يحرم بالحج ويأتي بأعماله ويجب عليه أن ينحر هدياً بالإجماع.
وبعد تحديد الهيئة ينوي المسلم الإحرام ويكون بذلك بدأ فعلياً مراسم عبادة الحج وعليه أن يتجه إلى مكة المكرمة وفور دخولها عليه أن يبادر إلى المسجد الحرام ويتوجه إلى الكعبة المعظمة بغاية الخشوع والإجلال ويبدأ بالطواف من الحجر الأسود فيطوف سبعة أشواط وهذا الطواف هو طواف القدوم للمفرد بالحج وهو طواف العمرة لمن أحرم متمتعاً أما إن كان قارناً فيقع عن القدوم.
ويستلم الحجر في ابتداء الطواف ويقبله وكلما مر به إن تيسر ذلك من غير إيذاء لأحد وإلا لمسه بيده أو بشيء يمسكه بها ويقبله وإلا أشار بيديه وإذا فرغ من طوافه يصلي ركعتي الطواف عند مقام إبراهيم إن أمكن وإلا فإنه يصلي خلفه في مكان بالمسجد ويستحب له بعد ذلك الشرب من ماء زمزم.
ثم إن أراد السعي يذهب إلى الصفا ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط كسعي العمرة وهذا السعي يقع عن الحج للمفرد وعن العمرة للمتمتع وعن الحج والعمرة للقارن وهنا يحلق المتمتع رأسه بعد السعي أو يقصره وقد حل من إحرامه أما المفرد والقارن فهما على إحرامهما إلى أن يتحللا بأعمال يوم النحر.
وليس هناك من أعمال على الحاج بعد ذلك حتى يأتي يوم التروية فتبدأ باقي أعمال الحج وهذا في حالة وصوله قبل يوم التروية.
1- يوم التروية: وهو يوم الثامن من ذي الحجة وينطلق فيه الحجاج إلى منى ويحرم المتمتع بالحج من مكة بعد الضحى أما المفرد والقارن فهما على إحرامهما وعندما يصلون إلى منى يبيتون بها اتباعاً للسنة ويكثرون فيها من ذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويمكثون في منى حتى فجر يوم عرفة فيصلون فيها خمس صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر وهو فجر يوم عرفة.
2- يوم عرفة: وهو يوم عظيم يؤدي فيه الحجاج الوقوف بعرفة وهو الركن الأساسي في الحج حتى قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة» (رواه الترمذي والحاكم في المستدرك) ويقوم فيه الحاج بالآتي:
أ- الوقوف بعرفة: ويخرج الحاج في هذا اليوم من منى بعد صلاة الفجر متوجهاً إلى عرفة وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة ويسمع خطبة عرفة ويصلي الظهر والعصر جمع تقديم ثم يدخل عرفة فيقف بعرفة ملبياً داعياً مبتهلاً ويستمر في الوقوف إلى غروب الشمس ولا يخرج من عرفة قبل الغروب ويتوجه إلى الله في وقوفه خاشعاً ضارعاً بالدعاء والذكر والقرآن والتلبية.
ب- المبيت بالمزدلفة: إذا غربت شمس يوم عرفة يسير الحاج من عرفة إلى المزدلفة ويجمع بها المغرب والعشاء تأخيراً ويبيت فيها ثم يصلي الفجر ويقف للدعاء ويستمر واقفاً يدعو ويهلل ويلبي حتى يسفر جداً لينطلق إلى منى ويستحب له أن يلقط الجمار «الحصيات الصغار» من المزدلفة ليرمي بها وعددها سبعون للرمي كله وإلا فسبعة يرمي بها يوم النحر.
على مَن أراد الحج أن يستعد ويتهيأ له فإن الاستعداد والإعداد من علامات صدق العزم علي الطاعة أو العبادة قال تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) [التوبة:46] رزقنا اللَّه الصدق في القول والعمل.
فعلى مَن أراد الحج أن يتعلم أحكامه وكيفيته وسُنَّنه وهناك سُنَّن كثيرة للحج منها ما يتعلق بهيئة الأداء، وما يتعلق بالإحرام، وما يتعلق بالسعي، وهناك سُنَّن لا تتعلق بأعمال، بل هي مستقلة، وبيان ذلك فيما يلي:
1- سُنَّة تتعلق بهيئة أداء الحج: وهي الإفراد.. فالإفراد بالحج أفضل. إذا اعتمر في نفس العام عند الشافعية ودليلهم ما روته السيدة عائشة رضي اللَّه عنها: «أن النبي صلي اللَّه عليه وسلم أفرد الحج» (رواه مسلم).
2- سُنَّن الإحرام هي: الاغتسال وتطييب البدن لا الثوب وصلاة ركعتين يفعل هذه الثلاثة قبل الإحرام.. ثم التلبية عقب النية، والتلبية فرض في الإحرام عند الحنفية خلافاً للجمهور، ويُسَّن للمعتمر أن يكثر من التلبية منذ نية الإحرام بالعمرة إلى بدء الطواف باستلام الحجر الأسود عند الجمهور، وقال المالكية: المعتمر الآفاقي يلبي حتى يبلغ الحرم لا إلى رؤية بيوت مكة، والمعتمر من الجعرانة أو من التنعيم يلبي إلى دخول بيوت مكة.
3- سُنَّن تتعلق بالطواف: ويُسَّن له أن يضطبع في أشواط طوافه هذه كلها، والاضطباع أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه اليمني، ويرد طرفيه على كتفه اليسرى. وتبقى كتفه اليمنى مكشوفة، كما يُسَّن للرجل الرمل أي سرعة الخطو بما يشبه العَدْو الخفيف في الأشواط الثلاثة الأولى، ويمشي في الباقي وليكثر المعتمر من الدعاء والذكر في طوافه كله.
4- ركعتا الطواف: يُسَّن له صلاة ركعتين بعد الطواف عند مُقام إبراهيم عليه السلام.
5- سُنَّن تتعلق بالسعي: تُسَّن الموالاة بين السعي والطواف، ونية السعي، والسعي الشديد بين الميلين الأخضرين، كما تُسَّن الموالاة بين أشواط السعي عند الجمهور، وهي شرط لصحة السعي عند المالكية.ومنها ما لا يتعلق بالأعمال، وإنما هي مستقلة بذاتها مثل:
6- الشُرْبُ من ماء زمزم: لما ثبت عن النبي صلي اللَّه عليه وسلم أنه «لما شُرِبَ له».
7- زيارة القبر الشريف: ولو لغير الحاج والمعتمر، ولها آثار كثيرة يطول المقام بذكرها.
.. وننبه هنا إلى أمور مهمة ينبغي للحجاج مراعاتها إذا كتب اللَّه تعالى له الحج، وهي أنه إذا استقر عزمه على الحج بدأ بالتوبة من جميع المعاصي والمكروهات، ويخرج من مظالم الناس، ويقضي ما أمكنه من ديونه، ويرد الودائع، ويستحل كل من بينه وبينه معاملة في شيء أو مصاحبة، ويكتب وصيته، ويُشْهِد عليها، ويوكِّل مَن يقضي عنه ما لم يتمكن من قضائه، فإن الله يغفر الذنوب كلها إلا حقوق العباد، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين» أخرجه مسلم.. ويترك لأهله ومَن تلزمه نفقته نفقتهم إلى حين رجوعه.
وعليه بعد ذلك أن يجتهد في إرضاء والديه، ومَن يتوجب عليه برُّه وطاعته، وعليه أن يتحرى الحلال في مال الحج، فلا يحج بمال فيه شبهة أو غيره، فإن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذِّيَ بالحرام فأَنَّي يُسْتَجاب لذلك» (أخرجه مسلم).
ثم بعد ذلك يحرص على صحبة رفيق موافق صالح يعرف الحج، وإن أمكن أن يصحب أحد العلماء العاملين فليمسك به فإنه يعينه على مبارّ الحج ومكارم الأخلاق.
وعند سفره يستحب أن يودع أهله وجيرانه وأصدقاءه ويقول لمن يودعه ما جاء في الحديث: «أستودعك اللَّه الذي لا تضيع ودائعه» (أخرجه أحمد) ويُسَّن للمقيم أن يقول للمسافر: «أستودع اللَّه دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك» (رواه الحاكم في المستدرك).
ثم يصلي ركعتين قبل الخروج من منزله، يقرأ في الأولي سورة: {قُل يَا أيُّهَا الْكَافِرُون} وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدْ}.. وعليه كذلك أن يلم بأحكام السفر ورُخَصه مثل: الجمع والقَصْر.
ثم عليه أن يستعد للإحرام وهو في اللغة: الدخول في الحُرْمَّة. ومعناه الشرعي: نية الحج عند الجمهور، والنية مع التلبية وهي قول: لبيك اللهم عند الحنفية، والإحرام رُكن من أركان الحج عند الجمهور، وشرط من شروط صحته عند الحنفية.
ويبدأ المسلم الاستعداد للحج والإحرام بالاغتسال والتنظيف تطييب البدن، ثم يصلي ركعتين سُنَّة الإحرام، وتجزئ عنهما صلاة المكتوبة، ثم ينوي الحج حسب الهيئة التي سيؤديه بها. فللحج ثلاث هيئات هي: الإفراد. والقران. والتمتع.
إن الاستعداد للحج من الأمور المهمة لأداء هذه الفريضة ويجب على المسلم الحاج أن يهتم بهذا الإعداد ويوليه الوقت والجهد الكافي..
تقبل اللَّه من الحجاج والمعتمرين.. آمين
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان» (صحيح البخاري) وللحج أركان أساسية إذا ترك المسلم منها شيئا بطل حجه وأول هذه الأركان الإحرام وله واجبات والواجب في الحج هو العمل الذي إذا تركه الحاج لم يفسد حجه ولا يبطل وإنما يجب عليه الفداء.
ويجب علي المحرم أمران في إحرامه:
1- الإحرام من الميقات الزماني والمكاني والميقات من التوقيت. وهو: أن يجعل للشيء وقت يختص به ثم اتسع فيه فأطلق على المكان ويطلق على الحد المحدد للشيء والذي نقصده في الشرع بالمواقيت: أنها: «مواضع وأزمنة معينة لعبادة مخصوصة». ويجب على المسلم أن يحرم من الميقات فإن جاوز الميقات المكاني فدى. وإن أحرم قبل الميقات الزماني فدى، فما هو الميقات الزماني والميقات المكاني؟
أولاً: الميقات الزماني: وهو الزمن الذي يحرم فيه الحاج بالحج. وهو شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. أي من أول شوال إلى طلوع فجر يوم النحر. فيجوز للحاج أن يحرم بالحج من هذا الوقت. ويفوت الإحرام بالحج بعد فوات فجر يوم النحر.
ثانياً: الميقات المكاني: المحرم إما أن يكون آفاقيا أو ميقاتياً أو حرمياً. والآفاقي: هو من منزله خارج منطقة المواقيت. ومواقيت الآفاقي هي:
أ- ذو الحليفة: لأهل المدينة ومن مر بها.
ب- الجحفة: لأهل الشام ومن جاء من قبلها كأهل مصر والمغرب. وهي مندثرة وتبعد 187ك من مكة. ويحرم الناس الآن من رابغ على بعد 204ك شمال غرب مكة.
جـ- قرن المنازل: ويسمي الآن السيل لأهل نجد. وهي على بعد 94 ك شرق مكة.
د- يلملم: لأهل اليمن وتهامه والهند. وهي على بعد 54ك جنوب مكة
هـ- ذات عرق: لأهل العراق وسائر أهل المشرق. وهي على بعد 94ك شمال شرق مكة.
أما الميقاتي: هو من كان في مناطق المواقيت أو ما يحاذيها أو ما دونها إلى مكة. وهؤلاء ميقاتهم من حيث أنشأوا العمرة وأحرموا بها. إلا أن الحنفية قالوا: ميقاتهم الحل كله. والمالكية قالوا: يحرم من داره أو مسجده لا غير. والشافعية والحنابلة قالوا: ميقاتهم القرية التي يسكنونها لا يجاوزونها بغير إحرام.وأما الحرمي: وهو المقيم بمنطقة الحرم والملكي ومن كان نازلا بمكة أو الحرم. وهؤلاء ميقاتهم للحج المفرد والمتمتع مكة ذاتها. وبالنسبة للحاج القارن والمعتمر فلابد أن يخرجوا للعمرة عن الحرم إلى الحل ولو بخطوة واحدة يتجاوزون بها الحرم إلى الحل.
وإذا تجاوز المعتمر والقارن الميقات المكاني ولم يحرما بعد فليحرما. وعليهما شاة جذعة من الضأن وثنية من الماعز. تذبح وتوزع على فقراء الحرم.
2- ترك محظورات الإحرام:
وهو الواجب الثاني من واجبات الإحرام: وهي الأشياء التي يحرم على المسلم فعلها أثناء إحرامه. وإذا فعلها وجب عليه التوبة والكفارة عن بعضها. كل فعل بما يناسبه من الكفارة وهذه المحرمات منها:أ- ما يحرم على الرجل: لبس المخيط وكل ما نسج محيطا بالجسم أو ببعض الأعضاء كالجوارب. ويحرم عليه وضع غطاء على الرأس وتغطية وجهه. ولبس حذاء يبلغ الكعبين.
ب- ما يحرم على المرأة: ستر الوجه بستر يلامس البشرة. لبس قفازين. وتلبس سوى ذلك لباسها العادي. جـ- ما يحرم على الرجال والنساء: الطيب وأي شيء فيه طيب. وإزالة الشعر من الرأس ومن أي موضع في الجسم. واستعمال الدهن الملين للشعر أو الجسم -ولو غير مطيب- وتقليم الأظفار والصيد والجماع ودواعيه المهيئة له. والرفث «أي: المحادثة بشأن الجماع ودواعيه» وليجتنب المحرمون الفسوق أي: مخالفة أحكام الشريعة. وكذا الجدال بالباطل.
ويجب في ارتكاب شيء من محظورات الإحرام الفدية والكفارة. وفي الجماع خاصة فساد العمرة والحج مع الكفارة والقضاء. عدا ما حرم من الرفث والفسوق والجدال ففيها الإثم والجزاء الأخروي فقط.الكفارات الواجبة: تختلف الكفارة حسب اختلاف المحظور الذي وقع فيه المحرم. ويمكن أن تقسم الكفارات الواجبة بترك محظورات الإحرام إلى ما يلي:
1- الكفارة في حلق الشعر أو إزالته: وهي على التنجير بين شاة -أو صيام ثلاثة أيام- أو التصدق بثلاثة أصع علي ستة مساكين.
2- الكفارة في قتل الصيد: إذا كان الصيد مما له مثل فكفارته أن يذبح مثله من الأنعام. فالنعامة يماثلها الجمل أو البقرة والغزالة تماثلها الشاة. فإن لم يجد قومه واشترى بثمنه طعاما وتصدق به على فقراء الحرم. فإن لم يجد صام عن كل مد يوما. وإن كان الصيد مما ليس له مثل قوم الصيد نفسه واشتري بثمنه طعاما وتصدق به أو صام عن كل مد يوما.
3- الكفارة لقطع شجر الحرم: الشجرة الكبيرة كفارتها ذبح بدنة والصغيرة شاة.
4- كفارة الجماع: الجماع يترتب عليه إفساد الحج. ويجب فيه الكفارة كذلك وكفارته واجبة وهي ذبح بدنة أو بقرة أو سبع شياة. أو تقويمها طعاما إن لم يجد والتصدق بها. أو الصوم عن كل مد يوما. وذلك عند الشافعية. وباقي المحرمات يترتب على فعلها الإثم وتستوجب التوبة إلى الله. وليس فيها كفارة دم.
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان» (صحيح البخاري) وللحج أركان أساسية إذا ترك المسلم منها شيئا بطل حجه وأول هذه الأركان الإحرام وله واجبات والواجب في الحج هو العمل الذي إذا تركه الحاج لم يفسد حجه ولا يبطل وإنما يجب عليه الفداء.
ويجب علي المحرم أمران في إحرامه:
1- الإحرام من الميقات الزماني والمكاني والميقات من التوقيت. وهو: أن يجعل للشيء وقت يختص به ثم اتسع فيه فأطلق على المكان ويطلق على الحد المحدد للشيء والذي نقصده في الشرع بالمواقيت: أنها: «مواضع وأزمنة معينة لعبادة مخصوصة». ويجب على المسلم أن يحرم من الميقات فإن جاوز الميقات المكاني فدى. وإن أحرم قبل الميقات الزماني فدى، فما هو الميقات الزماني والميقات المكاني؟
أولاً: الميقات الزماني: وهو الزمن الذي يحرم فيه الحاج بالحج. وهو شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. أي من أول شوال إلى طلوع فجر يوم النحر. فيجوز للحاج أن يحرم بالحج من هذا الوقت. ويفوت الإحرام بالحج بعد فوات فجر يوم النحر.
ثانياً: الميقات المكاني: المحرم إما أن يكون آفاقيا أو ميقاتياً أو حرمياً. والآفاقي: هو من منزله خارج منطقة المواقيت. ومواقيت الآفاقي هي:
أ- ذو الحليفة: لأهل المدينة ومن مر بها.
ب- الجحفة: لأهل الشام ومن جاء من قبلها كأهل مصر والمغرب. وهي مندثرة وتبعد 187ك من مكة. ويحرم الناس الآن من رابغ على بعد 204ك شمال غرب مكة.
جـ- قرن المنازل: ويسمي الآن السيل لأهل نجد. وهي على بعد 94 ك شرق مكة.
د- يلملم: لأهل اليمن وتهامه والهند. وهي على بعد 54ك جنوب مكة
هـ- ذات عرق: لأهل العراق وسائر أهل المشرق. وهي على بعد 94ك شمال شرق مكة.
أما الميقاتي: هو من كان في مناطق المواقيت أو ما يحاذيها أو ما دونها إلى مكة. وهؤلاء ميقاتهم من حيث أنشأوا العمرة وأحرموا بها. إلا أن الحنفية قالوا: ميقاتهم الحل كله. والمالكية قالوا: يحرم من داره أو مسجده لا غير. والشافعية والحنابلة قالوا: ميقاتهم القرية التي يسكنونها لا يجاوزونها بغير إحرام.وأما الحرمي: وهو المقيم بمنطقة الحرم والملكي ومن كان نازلا بمكة أو الحرم. وهؤلاء ميقاتهم للحج المفرد والمتمتع مكة ذاتها. وبالنسبة للحاج القارن والمعتمر فلابد أن يخرجوا للعمرة عن الحرم إلى الحل ولو بخطوة واحدة يتجاوزون بها الحرم إلى الحل.
وإذا تجاوز المعتمر والقارن الميقات المكاني ولم يحرما بعد فليحرما. وعليهما شاة جذعة من الضأن وثنية من الماعز. تذبح وتوزع على فقراء الحرم.
2- ترك محظورات الإحرام:
وهو الواجب الثاني من واجبات الإحرام: وهي الأشياء التي يحرم على المسلم فعلها أثناء إحرامه. وإذا فعلها وجب عليه التوبة والكفارة عن بعضها. كل فعل بما يناسبه من الكفارة وهذه المحرمات منها:أ- ما يحرم على الرجل: لبس المخيط وكل ما نسج محيطا بالجسم أو ببعض الأعضاء كالجوارب. ويحرم عليه وضع غطاء على الرأس وتغطية وجهه. ولبس حذاء يبلغ الكعبين.
ب- ما يحرم على المرأة: ستر الوجه بستر يلامس البشرة. لبس قفازين. وتلبس سوى ذلك لباسها العادي. جـ- ما يحرم على الرجال والنساء: الطيب وأي شيء فيه طيب. وإزالة الشعر من الرأس ومن أي موضع في الجسم. واستعمال الدهن الملين للشعر أو الجسم -ولو غير مطيب- وتقليم الأظفار والصيد والجماع ودواعيه المهيئة له. والرفث «أي: المحادثة بشأن الجماع ودواعيه» وليجتنب المحرمون الفسوق أي: مخالفة أحكام الشريعة. وكذا الجدال بالباطل.
ويجب في ارتكاب شيء من محظورات الإحرام الفدية والكفارة. وفي الجماع خاصة فساد العمرة والحج مع الكفارة والقضاء. عدا ما حرم من الرفث والفسوق والجدال ففيها الإثم والجزاء الأخروي فقط.الكفارات الواجبة: تختلف الكفارة حسب اختلاف المحظور الذي وقع فيه المحرم. ويمكن أن تقسم الكفارات الواجبة بترك محظورات الإحرام إلى ما يلي:
1- الكفارة في حلق الشعر أو إزالته: وهي على التنجير بين شاة -أو صيام ثلاثة أيام- أو التصدق بثلاثة أصع علي ستة مساكين.
2- الكفارة في قتل الصيد: إذا كان الصيد مما له مثل فكفارته أن يذبح مثله من الأنعام. فالنعامة يماثلها الجمل أو البقرة والغزالة تماثلها الشاة. فإن لم يجد قومه واشترى بثمنه طعاما وتصدق به على فقراء الحرم. فإن لم يجد صام عن كل مد يوما. وإن كان الصيد مما ليس له مثل قوم الصيد نفسه واشتري بثمنه طعاما وتصدق به أو صام عن كل مد يوما.
3- الكفارة لقطع شجر الحرم: الشجرة الكبيرة كفارتها ذبح بدنة والصغيرة شاة.
4- كفارة الجماع: الجماع يترتب عليه إفساد الحج. ويجب فيه الكفارة كذلك وكفارته واجبة وهي ذبح بدنة أو بقرة أو سبع شياة. أو تقويمها طعاما إن لم يجد والتصدق بها. أو الصوم عن كل مد يوما. وذلك عند الشافعية. وباقي المحرمات يترتب على فعلها الإثم وتستوجب التوبة إلى الله. وليس فيها كفارة دم.
قيمة التسامح من القيم السامية في دين الإسلام. قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125]. وقال: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) [البقرة:256]. وقال: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة:8]. وقد تحقق التسامح في الإسلام بصورة واضحة سواء التسامح الديني -والذي يعني التعايش بين الأديان والمذاهب المختلفة وحرية ممارسة الشعائر الدينية والتخلي عن التعصب الديني والتمييز العنصري- أو التسامح الفكري بمعنى حرية الحوار والمناقشة والمعارضة مع عدم التعصب للأفكار الشخصية ومنح الحرية في الإبداع والاجتهاد ولقد رسخ الإسلام في قلوب المسلمين تحت شعار التسامح معاني كثيرة:
1- الديانات السماوية تستقى من معينٍ واحد، قال عز وجل: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) [الشورى:13].
2- الأنبياء إخوة لا تفاضل بينهم من حيث الرسالة ومن حيث الإيمان بهم قال تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة:136].
3- العقيدة لا تنعقد في القلب إلا بالاقتناع العقلي والاطمئنان القلبي وبناء على ذلك جاء النهي عن الإكراه في الاعتقاد حيث قال تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:256].
4- يجب احترام العباد ورجال الدين وأماكن العبادة على اختلافها حيث قال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40] .
5- حرص القرآن على أن يربي أتباعه على مجادلة المخالفين بالحسنى والعقل بما يعكس روح احترام الآخر واحترام نظرته المختلفة وذلك لأجل إقامة علاقات إنسانية بين الناس على أساس التسامح والسلام قال تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [العنكبوت:46]. وقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125]. وقال تعالى حينما كلف موسى وهارون بالذهاب إلى فرعون وقومه ودعوتهما إلى الإيمان بالله: (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طه:42-44].
فتحقيق السلام هو غاية جميع العلاقات الإنسانية والتسامح مع الآخرين هو الوسيلة النافعة في تحقيق تلك الغاية وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم استخدامه الأسلوب الرقيق والكلمة الطيبة مع المخالفين وقدم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه النموذج في التسامح والعفو حينما أمن أهل مكة بعد فتحها عزيزاً منتصراً قوياً سامحهم على ظلمهم له وبغيهم على أصحابه وقال: يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب ثم تلا هذه الآية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات:13] الآية ثم قال: يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم؟ قالوا: خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» (السيرة النبوية لابن هشام 2/412). وهذا تحقيق وتحقق بقول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) [الأحزاب:21].
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) [الأحزاب:41]. وقال سبحانه: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) [البقرة:200]. وقال: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة:10]. وقال: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) [المزمل:8]. وتعدد الأمر الإلهي بالذكر يؤكد أن الذكر جزء من عقيدة المسلم وجزء من يومه وجزء من حياته وجزء من هويته. وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك من خلال برنامج يومي حرص عليه النبي ودعا الصحابة إليه لأهميته حتى يكون المسلم على صلة دائمة بربه.
ويبدأ برنامج النبي اليومي في الذكر مع استيقاظه فكان إذا استيقظ في الصباح ذكر ربه فقال: «الحمد لله الذي عافاني في جسدي وردّ عليّ روحي وأذن لي بذكره» (سنن الترمذي). ثم إذا قام من فراشه قال: «أصبحنا وأصبح الملك لله» (صحيح مسلم). وكان إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» (صحيح البخاري). والخبث بضم الخاء جمع الخبيث: وهو من شياطين الجن والخبائث جمع الخبيثة: وهي من شياطين الجن فيستعيذ من ذكرانهم وإناثهم عند دخول هذا المحل الذي تتواري فيه الفضلات وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: «غفرانك» (سنن أبي داود).. وهي كلمة بليغة خفيفة على اللسان عظيمة في الميزان لها أكبر الأثر في ذكر الله على كل حين وينبغي على المسلم أن يداوم عليها فإن كثيراً من الناس على الرغم من خفة هذا العمل لا يداوم عليه ولا يذكر الله في كل وقت وحين.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته قال: «بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله» (سنن أبي داود). وكان صلى الله عليه وسلم إذا سافر في طريق فيه مرتفع وصعد هذا المرتفع كبر وقال: «الله أكبر الله أكبر الله أكبر». وإذا كان فيه منخفض نزل هذا المنخفض وسبح وقال: «سبحان الله سبحان الله سبحان الله» كما أخرج البخاري عن جابر بن عبد الله قال: كنا: إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: «اللهم افتح لنا أبواب رحمتك» (صحيح مسلم). ثم بعد ذلك يشتغل بالصلاة التي تبدأ بالذكر: «الله أكبر» ولا يحدث فيها إلا الذكر «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» (صحيح البخاري). ثم ينهيها بذكر الله بقوله: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». ثم يذكر الله بعدها كما ذكره قبلها فكان يسبح الله ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم يتم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير (صحيح مسلم).
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من سيد الاستغفار بقوله: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» (صحيح البخاري).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المساء قال: «أمسينا وأمسي الملك لله» (صحيح مسلم) وهكذا في كل حركة ولهذا المنهج الرباني والمثال الفريد في الذكر والتأسي فيه بسيد الخلق قال العلماء: إذا فقد المسلم المربي المرشد فإن مرشده الأعظم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيكثر من الصلاة عليه ولا يقل ذلك عن ألف مرة في اليوم والليلة. وعن أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: «يا أيها الناس اذكروا اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة. جاء الموت بما فيه. جاء الموت بما فيه» قال أبي قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: «ما شئت» قال قلت: الربع؟ قال: «ما شئت. فإن زدت فهو خير لك». قلت: النصف؟ قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك». قال قلت : فالثلثين؟ قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك» قلت اجعل لك صلاتي كلها. قال: «إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك» (سنن الترمذي).فالهجوا بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليل نهار. واستغفروا الله على الأقل في اليوم مائة مرة. أسوة بالحبيب المصطفي الذي لم يفتر عن الاستغفار. وإنما استغفر ربه من غين الأنوار التي أغلقت باب الخلق. وإن كان باب الحق عنده مفتوحاً دائماً. استغفروا ربكم وتوبوا إليه. واذكروه في كل وقت وحين. فالذكر منهج المسلم اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو خير الذاكرين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع ومسئول عن رعيته فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته» (أخرجه البخاري) ويؤكد هذا الحديث أن المسئولية في الدين الإسلامي غير مقتصرة علي الحاكم أو جماعة المسئولين بل هي مهمة الجميع من أفراد المجتمع للحفاظ علي القيم الأخلاقية والجمالية التي بها تعم السكينة والسلام في الحياة ولابد أن يدرك الجميع أهمية تربية الناشئة على ممارسة المسئولية في حياتهم سواء في البيت أو المدرسة أو الشارع وتتنوع مسئوليات الفرد في مجتمعه على ثلاثة محاور رئيسية وهي: مسئوليته تجاه المجتمع ومسئوليته في وقت الأزمات ومسئوليته في القيام بدوره.
ويتمثل المحور الأول في مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فعن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة» قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» (صحيح مسلم). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم مرآة أخيه فإن رأى به أذى فليمطه عنه» (أخرجه الترمذي). وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً». فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: «تحجزه أو تمنعه من الظلم. فإن ذلك نصره» (أخرجه البخاري). وفي هذه الأحاديث بيان لمسئولية التقويم والنصح على الفرد. وبيان لكيفية النصرة بشكل إيجابي سواء كان المنصور ظالماً أو مظلوماً فإن كان مظلوماً أعناه على أخذ حقه. وإن كان ظالماً رددناه ومنعناه من الظلم مما يجعل المسلم عضواً مشاركاً في مجتمعه ذا فاعلية في تصرفاته جميعاً.
ويتمثل المحور الثاني في تحمل المسئولية في الأوقات العصيبة ببذل أقصى جهد. فعن حذيفة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا إمعة. تقولون: إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا. وإن أساءوا فلا تظلموا» (أخرجه الترمذي). والإمعة هو الرجل التابع الذي لا يثبت على رأي. وفي هذا الحديث تدريب على الاستقلالية في اتخاذ المواقف الإيجابية في كل أمر وعدم اتباع كل ناعق بظلم أو إساءة وتدريب على ممارسة الاجتهاد واستخدام العقل لمعرفة الإحسان ومجاهدة النفس على اتباعه وإشاعته وعدم الاستسلام لروح اللامبالاة والانهزامية أمام الظلم والشر في القول والعمل.
ويتمثل المحور الثالث في إتقان العمل وقد لخصه النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته عنه السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها أنه قال: «إن الله عز وجل يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» (أخرجه الطبراني). فمن أهم أهداف التربية النبوية إخراج الفرد المسلم إنساناً عاملاً يقوم بالعمل الصالح المتقن وذلك لأن العمل الصالح هو علة الخلق والإيجاد وهو مادة الابتلاء والاختبار في الدنيا ويبنى عليه الفوز في الآخرة قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:2]، والعمل الصالح هو الترجمة العملية للعلاقات التي حددتها فلسفة التربية الإسلامية بين الإنسان من جهة وبين الخالق والكون والآخرة من جهة أخرى. فقد ورد لفظ العمل في القرآن الكريم في ثلاثمائة وتسعة وخمسين موضعاً وفي السنة الشريفة يصعب حصر عدد المواضع التي ورد لفظ العمل فيها فالإسلام دين يبغض الفقر ويكافحه ويسد روافده ويدعو إلى العمل الدءوب في تنمية إمكانيات وطاقات الأمة والعمل الصحيح والأمل الفسيح هما عنصران أساسيان في بناء الدولة ونهضة المجتمع فيذكر الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين أن قواعد السياسة لصلاح المجتمع والدولة أولها دين متبع والمقصود به التزام كل فرد القيام بمسئولياته وآخرها أمل فسيح وهو الثقة في الله تعالى للخروج ببلدنا مما يحيط بها من أزمات وصعاب والله المستعان.
قال الله سبحانه وتعالى في محكم آياته: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان:63], وقال سبحانه: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) [الإسراء:37]، وقال: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [لقمان:18]، وقال: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء:215]، تؤكد هذه الآيات على خلق التواضع والبساطة وهما من أمهات الأخلاق في الإسلام فالبساطة كقيمة أخلاقية تعني التوافق مع الفطرة الإنسانية وعدم معاندتها بالوقوف دون تلبية حاجاتها الفطرية باتزان وسهولة وكان النبي صلى الله عليه وسلم مثالا حيا للبساطة في معيشته ومسكنه ومأكله وملبسه فعن بساطة مسكنه وفرشه قالت عائشة رضي الله عنها: كانت ضجعة "أي فراش نوم" رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم حشوها ليف وقالت: كان وسادة رسول الله صلي الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف (سنن أبي داود) وفي ذلك بيان لبساطة عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخدامه لأشياء متوفرة في البيئة مع ما يعكس ذلك من تواضعه ورضاه من الدنيا بالقليل وفي ظهور ذلك الأمر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم تربية وتدريب بواسطة القدوة العملية فرسول الله لم يأمر أصحابه أن تكون وسائل معيشتهم بسيطة ولكنه قدم القدوة في ذلك.
إن بناء الحضارات الكبار يبدأ دائماً من امتلاك الأدوات والمواد الأولية وحسن استخدامها في العيش والعمل على تنمية هذا الاستخدام خطوة خطوة ولذلك فإن امتلاك الأشياء المرفهة في حياتنا والتي جاءت من نتاج وإبداع حضارات أخرى لا يعني امتلاكنا للحضارة بل ربما يجعلنا أسرى لتلك الأشياء حتى إننا نتجمد دون التفكير في إبداع مثلها أو فهم أسرارها.
والبساطة تعني استخدام المواد الأولية المتاحة لدينا فعلاً وعدم تبديد الموارد الأرضية أو الطبيعية واحترام المواد الأولية البسيطة من ماء وتربة وأشجار فعن ابن عباس قال: تصدق على مولاه لميمونة بشاة فماتت فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هلا أخذتم إهابها "أي جلدها" فدبغتموه فانتفعتم به» فقالوا: إنها ميتة فقال: «إنما حرم أكلها» (رواه الشيخان).
وأما عن بساطة مطعمه ومشربه فقد قالت عائشة: إن كنا آل محمد صلى الله عليه وسلم لنمكث شهراً ما نستوقد بنار إن هو إلا التمر والماء (أخرجه مسلم) وعن أبي هريرة قال: ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه (أخرجه البخاري) وعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأدم فقالوا: ما عندنا إلا خل فدعا به فجعل يأكل به ويقول: «نعم الأدم الخل نعم الأدم الخل» (أخرجه مسلم).
وفي حديث هند بن أبي هالة يصف شمائل النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دمث ليس بالجافي ولا المهين "أي ليس بالغليظ الخلقة والطبع" يعظم النعمة وإن دقت لا يذم منها شيئاً لا يذم ذواقاً ولا يمدحه» وفي رواية غيره «لم يكن ذواقاً ولا مدحة ولا تغضبه الدنيا وما كان لها وإذا تعوطي الحق "أي إهمال الحق بجراءة شديدة" لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها (رواه البيهقي في شعب الإيمان ورواه الترمذي في الشمائل المحمدية).
وقد فقه السلف الصالح أهمية خلق التواضع عن النبي صلى الله عليه وسلم فيقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «وجدنا الكرم في التقوى والغنى في اليقين والشرف في التواضع» (أورده الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين) وعن ابنته عائشة رضي الله عنها قالت: «تغفلون أفضل العبادة: التواضع» (أخرجه وكيع في الزهد) وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «من تواضع لله تخشعا رفعه الله يوم القيامة ومن تطاول تعظماً وضعه الله يوم القيامة» (أخرجه وكيع في الزهد) ويلخص ذلك كله ما جاء في مدارج السالكين من قول إبراهيم بن شيبان: «الشرف في التواضع والعز في التقوى والحرية في القناعة».
يقول ربنا سبحانه وتعالى في محكم كتابه مبيناً ومرشداً: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة:152]. وعندما كنت في مراحل الطلب جلس الشيخ يشرح لي معانيها لأكثر من عامين ثم بعد ذلك اكتشفت أنني قد انتهيت من الكلمة الأولى فقط (فَاذْكُرُونِي) ولم ندخل بعد في قوله تعالى: (أَذْكُرْكُمْ) ولم ندخل في قوله: (وَاشْكُرُوا لِي) ولا في قوله تعالى: (وَلَا تَكْفُرُونِ) وذلك بعد استغراق عامين كاملين في الشرح والتفكير والتأمل في قوله تعالى (فَاذْكُرُونِي) وهذا شأن كلام ربنا سبحانه وتعالى وهذا هو ما ينبغي علينا أن نفعله مع كتاب ربنا فنجعله كتاب هداية ومحلاً للتدبر والتفكر ومحلاً لتحويل أوامره سبحانه وتعالى ونواهيه إلى واقع نعيشه ونتأمل في هذه الأوامر وتلك النواهي حتى نسعد مع السعداء بنور هداية الله تعالى.
(فَاذْكُرُونِي) كلمة واحدة عليها قوام الدنيا وصلاحها وعليها قوام سعادة الإنسان وطمأنينة قلبه وبها تتأكد الصلة بين الخالق والمخلوق ومن خلالها يغرق الإنسان في بحر من النور فيكون غريق النور وليس غريق الفساد والظلمة ولا غريق الاغترار والمعصية!!..
ولقد فصل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبين عن ربه كيف نذكر ربنا سبحانه وتعالى في كل وقت وحين وكيف نطور حياتنا إلى ذكر لله بالإيمان وبالعمل وكيف يؤثر هذا الذكر في تلك الحياة وفي مظهرها فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشي على الأرض وكان كما وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: «كان خلقه القرآن» رواه أحمد في مسنده والنبي صلى الله عليه وسلم تعلق قلبه بذكر الله ونسي الدنيا من فيها وما فيها ولكنه لم ينس ربه حتى لمح هذا من تكلم عن نسيانه في الصلاة فقال:
يا سائلي عن رسول الله كيف سها ** والسهو من كل قلب غافل لاه
قد غاب عن كل شيء سره فسها ** عما سوى الله فالتعظيم لله
كان قلبه صلى الله عليه وسلم مع ربه دائماً وقد ينغلق قلبه مع الخلق بعض الوقت وهو مكلف بالتبليغ.. مكلف بإرشاد الخلق إلى دين الحق.. مكلف بأن يتصل بهم لذلك فهو يستغفر الله في اليوم سبعين مرة أغلق باب قلبه مع الخلق أما باب قلبه مع الحق فهو مفتوح دائماً.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله فهو أبتر أو قال أقطع» (أخرجه أحمد في مسنده) وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يبدأ بالبسملة في كل أمر ذي بال كان يبدأ بها عند الوضوء وكان يبدأ به عند غسله وكان يبدأ بها عند مفتتح جلسته وكان يبدأ بها في كل أمر ذي بال حتى يكون مبدوءاً بذكر الله سبحانه وتعالى وقد نبه أيضاً في رواية أخرى فقال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع» (أخرجه ابن حبان في صحيحه) وعلى ذلك فالمقصود بالبسملة وبالحمد له هو الذكر هو أن نبدأ أعمالنا بذكر الله سبحانه وتعالى وعلى هذا بدأ المصنفون والمؤلفون كتبهم بالبسملة وبالحمدلة وبالصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالشهادتين إعلاناً إلى أن هذا العلم إنما هو من إطار ذكر الله وأنه يبدأ بالله وينتهي بالله وأنه لا يكون تصرف في هذا الكون إلا كما أمر الله.. وأنه تبرؤ من الحول ومن القوة.. إنه التجاء إلى الله سبحانه وتعالى في كل وقت وحين.
إن الذكر جزء من عقيدة المسلم ولا يكمل إيمانه إلا به حتى ألف العلماء كتباً مفردة في الأذكار فألّف ابن تيمية رحمه الله تعالى «الكلم الطيب» اختصر فيه تلك الأذكار أذكار المساء والصباح حتى تنظر فيه وتشكر الله سبحانه وتعالى على كل حال وألّف ابن القيم «الوابل الصيب من الكلم الطيب» وألف الإمام النووي كتاب «الأذكار» وألّف الشوكاني «تحفة الذاكرين» وألّف ابن الجزري «الحصن الحصين» وما زال المؤلفون يؤلفون الرسائل من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذكار الصباح والمساء حتى يومنا هذا.. (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر:15].
فلابد أن تغير حياتك أيها المسلم وأن تحافظ على الذكر فالذكر ينور القلوب ويغفر الذنوب ويستر العيوب ويؤكد علاقتك مع الله فكن من الذاكرين لله كثيراً والذاكرات ولا يتغب عن بالك قط قول الله تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].