طباعة

ذكر الله والعشر المنجيات [1-3]

يعرف الذكر في اللغة بأنه مصدر ذكر الشيء يذكره ذكرا وذكرا, وقال الكسائي : الذكر باللسان ضد الإنصات ذاله مكسورة, وبالقلب ضد النسيان وذاله مضمومة , وقال غيره : بل هما لغتان.

ويستخدم في اللغة بعدة معان منها : جريان الشيء علي اللسان إذا نطق باسمه وتحدث عنه قال تعالى : (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) [الأعلى :15]. ومنها : استحضار الشيء في القلب قال تعالى : (وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) [الكهف :63].

نقل صاحب القاموس في بصائره عن الراغب الأصفهاني قوله : «الذكر تارة يراد به هيئة للنفس بها يمكن الإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة, وهو كالحفظ, إلا أن الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه, والذكر يقال باعتبار استحضاره, وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول. ولذلك قيل : الذكر ذكران : ذكر بالقلب, وذكر باللسان, وكل واحد منهما ضربان : ذكر عن نسيان, وذكر لا عن نسيان, بل عن إدامة حفظ. وكل قول يقال له ذكر. ومن الذكر بالقلب واللسان معا قوله تعالى : (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) [البقرة :200].

أما في الاصطلاح فللذكر معنيان الأول عام وهو يشمل كل أصناف العبادات؛ حيث إنها تشتمل على ذكر الله, سواء كان ذلك الذكر بالإخبار المجرد عن ذاته, أو صفاته, أو أفعاله, أو أحكامه, أو بتلاوة كتابه, أو بمسألته ودعائه, أو بإنشاء الثناء عليه بتقديسه, وتمجيده, وتوحيده, وحمده, وشكره وتعظيمه. وعليه فتسمى الصلاة ذكراً وتلاوة القرآن ذكراً والحج ذكراً وكل أصناف العبادات.

ويكون بمعنى أخص وهو إنشاء الثناء بما تقدم, دون سائر المعاني الأخرى المذكورة. ويشير إلى الاستعمال بهذا المعنى الأخص قوله تعالى  : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت :45] فرغم أن الصلاة ذكر بالمعنى الأعم، إلا أن المراد هنا هو المعنى الأخص حيث فرق الله بين الصلاة والذكر، وكذل قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة  : (من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) [رواه الترمذي] وكذلك على الرغم من أن القرآن ذكر بالمعنى الأعم، إلا أن المراد في الحديث من الذكر المعنى الأخص حيث فرق بينهما.

 

وقد ورد الحث على الذكر في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن القرآن قوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة : 152]، وقوله سبحانه : ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب : 35]، وقوله عز وجل : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال : 45]، وقوله سبحانه وتعالى : ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت : 45].

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيحة عامة : « لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» . [رواه أحمد والترمذي وابن ماجة]، ومن الواقع المحسوس أن اللسان لا يكون رطبا مع كثرة الذكر بل يجف، ولكن هذا الجفاف المحسوس الملحوظ الذي هو عند الله هو الرطوبة المحمودة وهذا مثيل لقوله صلى الله عليه وسلم : « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ » . [متفق عليه] وقوله صلى الله عليه وسلم : « لاَ يُكْلَمُ أَحَدٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِى سَبِيلِهِ - إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَماً اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» . [أخرجه البخاري].

وكان شأن المسلمين في الذكر الاهتمام بما أسموه بالكلمات العشر المباركات وهي كلمات علمها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنواجه بها الحياة كلها وهي «سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله [وهذه الخمسة أسموها الباقيات الصالحات] استغفر الله، ما شاء الله، حسبنا الله ونعم الوكيل، إنا لله وإنا إليه راجعون، توكلت على الله ».

فنواجه بـ (سبحان الله) كل عجيب فالدنيا مليئة بالعجائب منها عجائب ناجمة عن قدرة الله في الكون، أو في أفعال العباد، وهي كلمة نقولها ننزه الله بها عن كل نقص ونصفه بكل كمال مطلق كل هذا في كلمة واحدة قال تعالى : (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [الروم :17] وكذلك بعد الانتهاء من أفضل العبادات وهي الصلاة فشرع لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن ننزه الله سبحانه ونقول : (سبحان الله) ثلاثاً وثلاثين مرة، فسبحان الله أحد مكونات الذكر الجامع الذي استنبطه أهل الله من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله أن يجعلنا من أهل الذكر والتنزيه والتسبيح دائما، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين (يتبع)

عدد الزيارات 9179 مرة
قيم الموضوع
(8 أصوات)