طباعة

القصص في السنة النبوية‏ "التوبة‏..‏ أول الطريق إلى الله"(7)‏

الإثنين, 05 يناير 2015 18:50 كتبه

ليس عيبا أن يخطئ المرء،‏ ولكن العيب أن يستمرئ الخطأ ويستبيح المعصية،‏ فإذا أبصر المرء عيبه وتاب إلى الله منه قبل الله توبته ومحا خطيئته، كما قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه:82] ولهذه الأهمية القصوى للتوبة وتأكيدا على فضل الله الواسع في قبول التائبين إليه، أوردت لنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم بعضا من القصص في هذا الجانب؛ منها قصة الكفل، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت، فقال: ما يبكيك؟ أكرهتك؟ قالت: لا، ولكنه عمل ما عملته قط وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال: تفعلين أنت هذا وما فعلته؟ اذهبي فهي لك، وقال: والله لا أعصي الله بعدها أبدا، فمات من ليلته، فأصبح مكتوبا على بابه: إن الله قد غفر للكفل، (رواه الترمذي وحسنه 4/657 والحاكم في المستدرك 4/283 وصححه الذهبي).

فهذا رجل أسرف على نفسه في الخطايا ولم يكن يتورع عن ذنب عمله، ثم أدركته رحمة الله وهو في سبيل ارتكاب فاحشة يجل خطرها وهي الزنا، فلما تاب.. تاب الله عليه، ومن عليه بالفضل وأعطاه كرامة تشهد بصلاحه وتقواه، حيث مات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه: إن الله قد غفر للكفل.

وتعلمنا القصة أن الواجب على المسلم إن وقع في ذنب أن يبادر إلى التوبة والندم والاشتغال بالتكفير بحسنة تضادها؛ فأما التوبة فهي عبارة عن ندم يورث عزما وقصدا ورجوعا إلى الله والطمع في رحمته.

وكلما كان الندم أشد كان تكفير الذنوب به أرجى، وعلامة صحة الندم، رقة القلب والشفقة على الخلق، والتماس الأعذار للناس، خاصة الضعفاء منهم وأصحاب الحاجة.

وبهذا الندم يصدق العزم في التوجه إلى ترك هذا الذنب، فإن لم تساعده النفس في العزم على ترك الذنب لغلبة الشهوة فقد عجز عن أحد الواجبين المترتبين على الندم، فلا ينبغي أن يترك الواجب الثاني وهو أن يدرأ بالحسنة السيئة فيمحوها، والحسنات المكفرة للسيئات إما بالقلب وإما باللسان وإما بالجوارح، فأما بالقلب فليكفرها بالتضرع إلى الله تعالي في سؤال المغفرة والعفو، وأما باللسان فبالاعتراف بظلم النفس مع الاستغفار فيقول: رب ظلمت نفسي وعملت سوءا فاغفر لي ذنوبي (سنن البيهقي 2/33) وكذلك يكثر من ضروب الاستغفار المأثورة. وأما بالجوارح فبالطاعات والصدقات وأنواع العبادات.

ومن أهم ما يجب تداركه في التوبة الحقوق المتعلقة بالعباد، فمن تناول مثلا مالا بغصب أو خيانة أو غش في معاملة فيجب أن يفتش عمن ظلمه ليستحله أو ليؤدي حقه له أو لورثته، وليحاسب نفسه على القليل قبل أن يحاسب يوم القيامة، فمن لم يحاسب نفسه في الدنيا طال في الآخرة حسابه، فإن عجز فلا يبقى له طريق إلا أن يكثر من الحسنات بقدر كثرة مظالمه، فهذا طريق كل تائب في رد المظالم الثابتة في ذمته.

وأما أمواله الحاضرة فليرد إلى المالك ما يعرف له مالكا معينا، وما لا يعرف له مالكا فعليه أن يتصدق به، فإن اختلط الحلال بالحرام فعليه أن يعرف قدر الحرام بالاجتهاد ويتصدق بذلك المقدار.

وأما الإساءة إلى الناس باللسان والوقوع فيهم بالغيبة فيجب عليه أن يعتذر إلى كل من تعرض له بلسانه أو آذى قلبه بفعل من أفعاله، فمن وجده وأحله بطيب قلب منه فذلك كفارته، ومن مات أو غاب أو تعذر استحلاله فقد فات أمره ولا يتدارك إلا بتكثير الحسنات؛ لقول الله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هود:114].

وبذلك تعلم أن للتوبة ثلاثة شروط: أن تندم على الذنب، وأن تقلع عنه، وأن تعزم على ألا تعود إليه ثانية، وإن كان متعلقا بحقوق العباد رددت الحق إليهم.

وإذا استجمعت التوبة شرائطها فهي مقبولة بإذن الله، فإن نور الحسنة يمحو عن وجه القلب ظلمة السيئة، كما لا طاقة لظلام الليل مع بياض النهار، قال تعالى: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ) [غافر:3]، وقال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) [الشورى:25]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يبسط يده بالتوبة لمسيء الليل إلى النهار، ولمسيء النهار إلى الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» (صحيح مسلم 4/2113)، وقال صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (سنن ابن ماجه 2/1419).

ومن مهمات التائب إذا لم يكن عالما أن يتعلم ما يجب عليه في المستقبل، وما يحرم عليه حتى يمكنه الاستقامة. فاللهم بصرنا بذنوبنا لنرجع إليك، واجعل لنا من كل ذنب طريقا للفوز بما لديك.

عدد الزيارات 10228 مرة
قيم الموضوع
(4 أصوات)

1 تعليق

  • تعليق YARA MOHAMED الثلاثاء, 20 يناير 2015 15:50 أرفق YARA MOHAMED

    اللهم اكتبنا من التوابين