طباعة

بناء المنظومة الأخلاقية: خلق التوكل

التوكل على الله من الأخلاق الكريمة التي أمر الله بها في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهو عمل من أعمال القلوب فلا يراه الناس ولا يصلح فيه الادعاء وإنما يرى الناس أثر هذا الخلق الكريم في كثير من تصرفات المسلم فلا يرون منه تحايلا على الرزق ولا طلب الرزق بالمحرم ولا يرون منه نفاقا ولا تملقا لأنه متوكل على الله عز وجل.

والتوكل بمعنى الثقة بالله والاعتماد عليه في كل الأمور هو أمر واجب ومأمور به في كثير من آيات القرآن الكريم وفي سنة الرسول صلي الله عليه وسلم: فمن كتاب الله ورد قوله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران:159] وقد أمر المؤمنين كذلك بالتوكل عليه فقال سبحانه وتعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران:160] وقد أخبر سبحانه بحتمية التوكل عليه حكاية عن نبيه الكليم موسي عليه السلام (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) [يونس:84].

ومن السنة المشرفة ورد عن أبي هريرة مرفوعا «يقول الله تعالى: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي املأ صدرك غني وأسد فقرك» (رواه ابن ماجة).

وعن عمر مرفوعا «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا» وعن زيد بن ثابت مرفوعا «من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن كانت الآخرة همه جمع الله أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة» (رواه ابن ماجة).

وعن عمرو بن العاص مرفوعا «إن لقلب ابن آدم بكل واد شعبة فمن اتبع قلبه الشعب كلها لم يبال الله في أي واد أهلكه ومن توكل على الله كفاه الشعب» (رواه ابن ماجة).

وقد ذهب عامة الفقهاء ومحققو الصوفية إلى أن التوكل على الله لا يتنافى مع السعي والأخذ بالأسباب من مطعم ومشرب وتحرز من الأعداء وإعداد الأسلحة واستعمال ما تقتضيه سنة الله المعتادة مع الاعتقاد أن الأسباب وحدها لا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا بل السبب "العلاج" والمسبب "الشفاء" فعل الله تعالى والكل منه وبمشيئته قال سهل: «من قال: التوكل يكون بترك العمل فقد طعن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم».

وقال الرازي في تفسير قوله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) دلت الآية على أنه ليس التوكل أن يهمل الإنسان نفسه كما يقول بعض الجهال وإلا كان الأمر بالمشاورة منافيا للأمر بالتوكل على الله أن يراعي الإنسان الأسباب الطاهرة ولكن لا يعول بقلبه عليها بل يعول على الله تعالى.وقد حث النبي الكريم صلوات الله عليه وسلامه في أكثر من موضع على العمل والاحتراف وعدم ترك الأسباب فعن ابن عمر مرفوعا «إن الله يحب العبد المؤمن المحترف» (ابن مردويه) وعن أنس قال: «ذكر شاب عند النبي صلى الله عليه وسلم بزهد وورع فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن كانت له حرفة» (ابن أبي الدنيا) وعن الحسن قالوا يا رسول الله : أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «كسب الحلال وأن تموت ولسانك رطب من ذكر الله» (ابن أبي الدنيا).

وأجمع جمهور علماء المسلمين على أن التوكل الصحيح إنما يكون مع الأخذ بالأسباب وبدونه تكون دعوى التوكل جهلا بالشرع وفسادا في العقل.

وللتوكل آثار عظيمة في حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وحسن السلوك إلى الله والسير إليه وزيادة الإيمان وغفران الذنوب والترقي في درجات الجنان.

وللتوكل أيضا آثار إيجابية على المسلم في حب الوطن والمجتمع والنفع حيث حل فإذا دخل التوكل الصحيح في قلب العبد المؤمن لا يؤذي الناس ولا يحسد الناس ولا يحقد على أحد بل لن تراه إلا متعاونا معهم على الخير راضيا بكل ما يقضيه الله من الأمور.. نسأل ربنا الكريم أن يجعلنا من المتوكلين عليه ومن المطمئنين به وبقضائه سبحانه وتعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

عدد الزيارات 8664 مرة
قيم الموضوع
(4 أصوات)