الأمانة هي معادلة التكليف الكبرى التي قامت من أجلها السماوات والأرض والجبال وهي من أخلاق الإسلام العظمى التي حث عليها ودعا إليها خالق الأكوان سبحانه في كتابه العزيز وفي سنة نبيه الأكرم صلوات الله عليه وسلامه.
وقد ورد الحث على الأمانة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا فمن الآيات التي ورد فيها الحث على الأمانة قوله سبحانه في اللوم على بني آدم في عدم مراعاة الأمانة: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب:72]
وقال سبحانه في الأمر الصريح بأداء الأمانات إلي أهلها: (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا) [النساء:58]
وفي النهي عن الخيانة وذم الخائنين قال جل وعز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27] وقال سبحانه وتعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) [الأنفال:58] وقال عز من قائل: (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) [النساء:107] وقال تعالى: (وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) [يوسف:52] بل إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالابتعاد عن الخائنين أنفسهم فقال سبحانه: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّـهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) [النساء:105].
أما في سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم وسنته المشرفة فقد كانت الأمانة من أهم صفات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كان يشهد بها أعداؤه فقد سموه الصادق الأمين وقد طمأنته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها عندما نزل عليه صلى الله عليه وسلم الوحي عندما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد والله خشيت أن يكون هذا أمراً» قالت: معاذ الله ما كان الله ليفعل بك فوالله إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث (رواه البيهقي في الدلائل).
بل قد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن المعاملة بالمثل في عدم الأمانة خاصة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» (رواه أبو داود والترمذي والحاكم).
كما اعتبر النبي مجرد الحديث وعدم الإيصاء بكتمانه أمانة يجب حفظها وعدم كشفها لأحد فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا حدث الرجل الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة» (المصنف لابن أبي شيبة).
وأخبر الرسول الأكرم صلوات الله عليه وسلامه أن ضياع الأمانة من علامات فساد الزمان فعن حذيفة قال: «حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا: أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة ثم حدثنا عن رفع الأمانة قال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المحل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلاً أمينا حتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان» (رواه مسلم).
وقد تواترت نصوص الكتاب والسنة التي تدل على أن الأمانة عظيمة القدر في الدين ومن عظيم قدرها أنها تقف على جنبتي الصراط ولا يُمَكن من الجواز إلا من حفظها كما رواه مسلم في صحيحه فليس هناك أدل على عظم قدر الأمانة من كونها تكون بجوارك على الصراط يوم القيامة.
إن الأمانة هي الالتزام بكل ما شرع من الدين والالتزام بكل ما اتفق عليه بين الناس من العقود والأعمال فكلمة الحق أمانة وإتقان العمل وأداؤه بالشكل المتفق عليه أمانة لذا فمن ترك عمله فهو خائن للأمانة ومن قصر فيما طلب منه فهو خائن للأمانة.
وفي المقابل إذا طبق المسلمون خلق الأمانة فسوف يتغير الحال إلى خير حال فسنجد كل إنسان يتقن عمله ويحافظ علي كلامه ويخدم مجتمعه ووطنه وسوف يظهر هذا في قوة المجتمع وتقدمه وازدهاره على نحو يفخر به كل من انتسب إلى هذا الدين.
نسأل الله أن يرزقنا الأمانة وأن يجملنا بأحسن الأخلاق في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أطلق الله النور في كتابه على عدة أشياء أطلقه سبحانه على نفسه وأطلقه على نبيه صلى الله عليه وسلم وأطلقه على القرآن، وأطلقه على الهداية، وأطلقه على نور الهدايا والإيمان. فالنور في القرآن على خمسة أنحاء نور الرحمن ونور القرآن ونور النبي العدنان صلى الله عليه وسلم ونور الإيمان ونور الأكوان ولو أن أحد الباحثين كتب رسالة يتتبع فيها النور في كتاب الله وسنة رسوله وأثر ذلك عند المسلمين لخرج كتابا حافلا لم يؤلف مثله في الإسلام.
ونحن في هذا العصر الذي اشتدت فيه الظلمات ظلمات الكفر والإلحاد ظلمات الظلم والاغتصاب ظلمات العدو وانتهاكه للمقدسات في أحوج الحاجة إلى معرفة النور الذي تكلم عنه الله ورسوله حتى نعلم الشيء ونقيضه، وحتى نعلم ما هذا النور، وكيف نتبعه، وما البرنامج الذي نسير عليه؟ نفر فيه من الظلمات إلى النور حتى يرضي ربنا عنا.
إن دين الإسلام دين النور وقد أطلق الله النور على نفسه في سورة حملت اسم سورة النور قال الله تعالى فيها: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [النور:35].
وفي هذا النور الرحماني يقول الإمام ابن عطاء الله السكندري في كتابه الشهير «الحكم العطائية» الكون كله ظلمة وإنما أناره ظهور الحق فيه وهو يقصد أن الكون من حيث كونيته وظهور حسه كله ظلمة لأنه حجاب لمن وقف مع ظاهره عن شهود ربه ولأنه سحاب يغطي شمس المعاني لمن وقف مع ظاهر حس الأواني.
أما نورانية كتاب الله الكريم القرآن المجيد فقد أثبتها ربنا له في أكثر من آية قال تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف:157]، وقال تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [التغابن:8]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) [النساء:174]، فالقرآن الكريم نور من عدة اعتبارات فباعتبار مصدره فإن مصدره عالم الأنوار والوحي والقدس ولذلك أمر الله في كتابه الإنسان إذا ما أراد أن يتصل بهذا النور أن يمسح نفسه بمسحة النور فعليه أن يتوضأ والوضوء من الوضاءة والإنارة وهي العبادة التي يتطهر فيها المسلم من الحدث الأصغر وذلك ليكون حاله مناسبا للنور الذي يريد أن يتلوه.
والقرآن نور من حيث لغته العربية وتهذيبه للغة العرب التي كانت مليئة بالغرائب ووحشي الكلام والقرآن نور من حيث نقله فقد نقل بالأسانيد المتصلة المتكاثرة التي بلغت حد التواتر الإسنادي والجملي ولقد أورد ابن الجزري في كتابه «النشر في القراءات العشر» أكثر من ألف سنة من عصره «القرن التاسع الهجري» إلى القراء العشرة وهم الذين نقلوا القرآن ممثلين عن مدن بأكملها كلها يقرأ كما كانوا يقرأون وهذا ما يسمى بالتواتر الجملي الذي يقرأ الناس جميعا القرآن في مدينة معينة بهذه الطريقة وبهذا الأداء فصار هؤلاء القراء مجرد مندوبين عنهم وممثلين لقراءتهم وحافظين لطريقتهم في التلاوة وارتضاهم أهل كل مدينة لما رأوا فيهم مزيد الاهتمام وتمام العلم فشهدوا لهم جميعا بذلك.
والقرآن نور من حيث معانيه فقد اشتمل على مبادئ عامة تنير الطريق وتنظم العقل ومن تلك المبادئ القرآنية قوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الأنعام:164]، وقوله سبحانه: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:179]، وقوله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ) [المائدة:95] وقوله سبحانه: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) [النجم:39]، وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78]، إلي آخر ما هنالك من أسس ومبادئ تبين أن الضرر يزال واليقين لا يرفع بالشك والأمور بمقاصدها ونحو ذلك.
والقرآن نور في مضامينه فقد وصف الأوجاع في النفس البشرية وفي المجتمع المسلم وبين العلاج وقص القصص وأثبت العقائد وأوضح الأحكام وما فرط فيه ربنا من شيء نسأل الله أن يشرح صدورنا بنور القرآن.
ولا يبعد أن يكون للقرآن نور حسي يزيد من نور المؤمن في روحه ووجهه مما يلحظه الناس ويرونه ويعبرون عن ذلك بعبارتهم السهلة الشهيرة «رجل وجهه منور» و«امرأة وجهها منور» وهم يعنون أنهم يرون في وجوههم نورا، أضف إلى ذلك أن القرآن يكون نورا لصاحبه يوم القيامة ومرقي له في درجات الجنة، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همنا وذهاب غمنا.. آمين.
لله سبحانه وتعالى صفات كمال وجمال وجلال والتعلق والتحقق بهذه الصفات أسس الإيمان من حب ورجاء وخوف. فالعبد يحب الله لصفات كماله ويرجوه لصفات جماله ويخافه لصفات جلاله والعبد يتخلق بصفات الجمال ويعلم أن الله يحب أن يرى منه في خلقه وسلوكه تلك الصفات والمؤمن بالعلم والحلم والعقل والعمل والرفق واللين والصبر يحظى الفضائل ويصل إلى ربه سالما إن شاء الله.
والرفق صفة جمال من صفات ربنا سبحانه وتعالى أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلم السيدة عائشة ويحثها على التخلق بها. فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف» (رواه مسلم).وقد يظن بعض الناس عن طريق الخطأ أن العنف محمود في شريعة الإسلام وأن الله يعطي على العنف أجرا وثوابا وإنما العنف المذكور في الحديث هو الشدة في مواجهة المعتدين وذلك على نحو قوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) [الفتح:29]، وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة:123]، وقوله سبحانه: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا) [الإسراء:5].
فالشدة والبأس لا تطلب من المسلم إلا في أوقات قليلة وهي أوقات الالتحام في المعارك كما بينا أما الرفق فهو المطلوب في كل الأوقات والمطلوب في كل الأشياء وهو لا يزيد الشيء إذا دخل فيه إلا جمالا وزينة وإذا خرج منه كان الشيء مشينا غير مستساغ ولذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لعائشة وهو يعلمها فضل الرفق فقال: «يا عائشة ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء قط إلا شأنه» (رواه مسلم وأبو داود واللفظ له) وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب الرفق في الأمر كله» (رواه البخاري ومسلم).
ولذا من حرمه الله الرفق فلا خير فيه وهو محروم من كل الخير لأن الرفق باب الخير ولذا نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا ذلك فيقول: «من يحرم الرفق يحرم الخير كله» (رواه مسلم). وأخبر بذلك السيدة عائشة رضي الله عنها فقال صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة إنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة» (رواه أحمد) وعنه صلى الله عليه وسلم في توصيته للسيدة عائشة رضي الله عنها: «ارفقي فإن الله إذا أراد بأهل بيت كرامة دلهم على باب الرفق» (رواه أحمد).
وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم الرفيق اللين السهل بالنجاة من النيران فقال صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار. تحرم على كل هين لين سهل» وفي رواية «إنما تحرم النار على كل هين لين قريب سهل» (رواه ابن حيان في صحيحه) وكان يطلب في دعائه صلى الله عليه وسلم الرفق لمن رفق بأمته فكان يقول: «ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به» (رواه مسلم).
ولم يقتصر الرفق على أمور الدنيا وحدها بل امتد طلبه حتى في التوغل في الدين والاستزادة منه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفق في ذلك فقال: «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه» (رواه أحمد والبيهقي في الشعب).
وأقرب سبيل للوصول إلى الرفق كظم الغيظ وعدم إنفاذه ويعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ويحثنا عليه فيقول: «من كظم غيظًا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه تواضعا كساه الله حلة الكرامة ومن زوج لله توجه الله تاج الملك» (رواه أبو داود في سننه).
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد ما كظمها عبد إلا ملأ الله جوفه إيمانا» (ابن أبي الدنيا).
فكظم الغيظ والحلم سبيل الرفق. والرفق من فضائل الأخلاق نسأل الله أن يجعلنا من الرحماء الرفقاء وأن يرفق بنا في أمرنا كله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قد يظن البعض أن ذبح الحيوان يتعارض مع الرفق والرحمة به وهذا فهم خطأ فلقد اهتم الإسلام بالحيوان وأكد على ضرورة التعامل معه بالرأفة والرحمة فهو مسخر للبشر وغير قادر على التعبير عن احتياجاته وآلامه ولذلك كان الاهتمام به أكبر فنرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل العصفور فقال: «ما من إنسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حق إلا سأله الله عز وجل عنها» (رواه النسائي) ويبين أن الإساءة للحيوان وتعذيبه والقسوة معه تدخل الإنسان في عذاب الله ونار جهنم والعياذ بالله فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» (رواه البخاري ومسلم).
وجعل الإسلام دخول الجنة جزاء للرفق بالحيوان وأن الرفق به قد يكون سبباً في تجاوز الله عن كبائر وقع فيها الإنسان فقال صلى الله عليه وسلم: «بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به» (رواه البخاري ومسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي فنزل البئر فملأ خُفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له» قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: «نعم في كل ذات كبد رطبة أجر» (رواه البخاري ومسلم)وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحُمرة فجعلت تفرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها» (رواه أبو داود).
فالإسلام حرم قتل الحيوان جوعاً أو عطشاً وحرّم المكث على ظهره طويلاً وهو واقف وحرّم إرهاقه بالأثقال والأعمال الشاقة وحرّمت الشريعة التلهي بقتل الحيوان كالصيد للتسلية لا للمنفعة واتخاذه هدفاً للتعليم على الإصابة ونهى الإسلام عن كي الحيوانات بالنار في وجوهها للوسم أو تحريشها ببعضها بقصد اللهو وأنكر العبث بأعشاش الطيور وحرق قرى النمل.
وقد أوجب الإسلام نفقة مالك الحيوان عليه فإن امتنع أُجبر على بيعه أو الإنفاق عليه أو تسييبه إلى مكان يجد فيه رزقه ومأمنه وإذا لجأت هرة عمياء إلى بيت شخص وجبت نفقتها عليه حيث لم تقدر على الانصراف.
ولم يعاقب المسلمون الحيوان بما جنى على غيره وإنما عاقبوا صاحبه إذا فرّط في حفظه وربطه ومنعوا أن يؤجّر الحيوان لمن عُرف بقسوته على الحيوان خشية أن يجور بقسوته وغلظته عليه.
وراعى الإسلام الحالة الصحية للحيوانات وأمر بالحجر الصحي عند انتشار الأوبئة والأمراض المعدية للحفاظ على باقي الحيوانات قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُورِدن ممرض على مُصح» (رواه البخاري ومسلم) والممرض الذي له إبل مرضي والمصح: صاحب الصحاح وهو نهي للممرض أن يسقي أو يرعى إبله المصح لأن ذلك من الأسباب العادية للمرض إذ الجرب الرطب قد يكون بالبعير فإذا خالط الإبل أو حككها أو أوى إلى مباركها وصل إليها بالماء الذي يسيل منه.
وقد حوّل المسلمون الرحمة بالحيوان في حضارتهم إلى واقع معيش فأنشأوا مساقي الكلاب وفي العصر المملوكي وبالتحديد في تكية محمد بك أبو الذهب بنيت صوامع للغلال لتأكل منها الطير وأنشأوا مبرات للبيطرة وصيروها علماً لتخفيف الألم عن الحيوان.
مما سبق يتضح لنا أن الإسلام أحاط الحيوان بالرأفة والرحمة فكيف يمكننا الجمع بين الرحمة والرأفة بالحيوان وبين الأمر بذبحه سواء لأكله أو تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى؟
هناك اتفاق بين البشر على منفعة أكل لحوم الحيوانات مأكولة اللحم «الجمال البقر الماشية الأرانب» أو الطيور «الدجاج الأوز البط الحمام» ولا يعقل أن يأكل الناس هذه الحيوانات والطيور وهي حية فلابد من قتلها.
إذن فإن عقلاء البشر يتفقون على ضرورة قتل الحيوان للاستفادة من منفعته التي خلقها الله وجاء الإسلام بالإذن في ذلك إلا أنه حدد وسيلة ذلك القتل ألا وهي الذبح وغير المسلمين من أصحاب الدعوات الحديثة يرون أن قتل الحيوان بالذبح تعذيب له ويرون أنه من الرحمة قتله بالصعق الكهربائي أو الضرب على رأسه وهذا أمر يتنافى مع الشرائع السماوية لمختلف الأديان كاليهودية بل ويتنافى كذلك مع التقارير الطبية الحديثة.
ولذلك فلا تعارض بين الرحمة بالحيوان والامتثال لأمر الله بذبحه للانتفاع الذي أذن الله به ولتحقيق وظيفة هذا الحيوان في الكون التي خلقها الله من أجله وهي أن يأكله الإنسان ليحدث التوازن البيئي الكوني.
عندما ينوي المسلم الإحرام للحج فعليه أن يحدد الهيئة التي سيؤديها فللحج ثلاث هيئات: هي الإفراد والقران والتمتع وبيان كل هيئة فيما يلي:
1- الإفراد: وهو أن يحرم الحاج بالحج فقط عند إحرامه فيقول «لبيك اللهم حجًّا» ثم يأتي بأعمال الحج وحده.
2- القران: وهيئته أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً فيقول: «لبيك اللهم عمرة وحجًّا» فيأتي بهما في نسك واحد وقال الجمهور: إنهما يتداخلان فيطوف طوافاً واحداً ويسعي سعياً واحداً ويجزئه ذلك عن الحج والعمرة وقال الحنفية: يطوف القارن طوافين ويسعي سعيين طواف وسعي للعمرة ثم طواف الزيارة والسعي للحج ويجب علي القارن أن ينحر هدياً بالإجماع.
3- التمتع: وهو أن يحرم بالعمرة فقط في أشهر الحج فيقول: «لبيك اللهم عمرة» ويأتي مكة فيؤدي مناسك العمرة ويتحلل ويمكث بمكة حلالاً ثم يحرم بالحج ويأتي بأعماله ويجب عليه أن ينحر هدياً بالإجماع.
وبعد تحديد الهيئة ينوي المسلم الإحرام ويكون بذلك بدأ فعلياً مراسم عبادة الحج وعليه أن يتجه إلى مكة المكرمة وفور دخولها عليه أن يبادر إلى المسجد الحرام ويتوجه إلى الكعبة المعظمة بغاية الخشوع والإجلال ويبدأ بالطواف من الحجر الأسود فيطوف سبعة أشواط وهذا الطواف هو طواف القدوم للمفرد بالحج وهو طواف العمرة لمن أحرم متمتعاً أما إن كان قارناً فيقع عن القدوم.
ويستلم الحجر في ابتداء الطواف ويقبله وكلما مر به إن تيسر ذلك من غير إيذاء لأحد وإلا لمسه بيده أو بشيء يمسكه بها ويقبله وإلا أشار بيديه وإذا فرغ من طوافه يصلي ركعتي الطواف عند مقام إبراهيم إن أمكن وإلا فإنه يصلي خلفه في مكان بالمسجد ويستحب له بعد ذلك الشرب من ماء زمزم.
ثم إن أراد السعي يذهب إلى الصفا ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط كسعي العمرة وهذا السعي يقع عن الحج للمفرد وعن العمرة للمتمتع وعن الحج والعمرة للقارن وهنا يحلق المتمتع رأسه بعد السعي أو يقصره وقد حل من إحرامه أما المفرد والقارن فهما على إحرامهما إلى أن يتحللا بأعمال يوم النحر.
وليس هناك من أعمال على الحاج بعد ذلك حتى يأتي يوم التروية فتبدأ باقي أعمال الحج وهذا في حالة وصوله قبل يوم التروية.
1- يوم التروية: وهو يوم الثامن من ذي الحجة وينطلق فيه الحجاج إلى منى ويحرم المتمتع بالحج من مكة بعد الضحى أما المفرد والقارن فهما على إحرامهما وعندما يصلون إلى منى يبيتون بها اتباعاً للسنة ويكثرون فيها من ذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويمكثون في منى حتى فجر يوم عرفة فيصلون فيها خمس صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر وهو فجر يوم عرفة.
2- يوم عرفة: وهو يوم عظيم يؤدي فيه الحجاج الوقوف بعرفة وهو الركن الأساسي في الحج حتى قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة» (رواه الترمذي والحاكم في المستدرك) ويقوم فيه الحاج بالآتي:
أ- الوقوف بعرفة: ويخرج الحاج في هذا اليوم من منى بعد صلاة الفجر متوجهاً إلى عرفة وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة ويسمع خطبة عرفة ويصلي الظهر والعصر جمع تقديم ثم يدخل عرفة فيقف بعرفة ملبياً داعياً مبتهلاً ويستمر في الوقوف إلى غروب الشمس ولا يخرج من عرفة قبل الغروب ويتوجه إلى الله في وقوفه خاشعاً ضارعاً بالدعاء والذكر والقرآن والتلبية.
ب- المبيت بالمزدلفة: إذا غربت شمس يوم عرفة يسير الحاج من عرفة إلى المزدلفة ويجمع بها المغرب والعشاء تأخيراً ويبيت فيها ثم يصلي الفجر ويقف للدعاء ويستمر واقفاً يدعو ويهلل ويلبي حتى يسفر جداً لينطلق إلى منى ويستحب له أن يلقط الجمار «الحصيات الصغار» من المزدلفة ليرمي بها وعددها سبعون للرمي كله وإلا فسبعة يرمي بها يوم النحر.
على مَن أراد الحج أن يستعد ويتهيأ له فإن الاستعداد والإعداد من علامات صدق العزم علي الطاعة أو العبادة قال تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) [التوبة:46] رزقنا اللَّه الصدق في القول والعمل.
فعلى مَن أراد الحج أن يتعلم أحكامه وكيفيته وسُنَّنه وهناك سُنَّن كثيرة للحج منها ما يتعلق بهيئة الأداء، وما يتعلق بالإحرام، وما يتعلق بالسعي، وهناك سُنَّن لا تتعلق بأعمال، بل هي مستقلة، وبيان ذلك فيما يلي:
1- سُنَّة تتعلق بهيئة أداء الحج: وهي الإفراد.. فالإفراد بالحج أفضل. إذا اعتمر في نفس العام عند الشافعية ودليلهم ما روته السيدة عائشة رضي اللَّه عنها: «أن النبي صلي اللَّه عليه وسلم أفرد الحج» (رواه مسلم).
2- سُنَّن الإحرام هي: الاغتسال وتطييب البدن لا الثوب وصلاة ركعتين يفعل هذه الثلاثة قبل الإحرام.. ثم التلبية عقب النية، والتلبية فرض في الإحرام عند الحنفية خلافاً للجمهور، ويُسَّن للمعتمر أن يكثر من التلبية منذ نية الإحرام بالعمرة إلى بدء الطواف باستلام الحجر الأسود عند الجمهور، وقال المالكية: المعتمر الآفاقي يلبي حتى يبلغ الحرم لا إلى رؤية بيوت مكة، والمعتمر من الجعرانة أو من التنعيم يلبي إلى دخول بيوت مكة.
3- سُنَّن تتعلق بالطواف: ويُسَّن له أن يضطبع في أشواط طوافه هذه كلها، والاضطباع أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه اليمني، ويرد طرفيه على كتفه اليسرى. وتبقى كتفه اليمنى مكشوفة، كما يُسَّن للرجل الرمل أي سرعة الخطو بما يشبه العَدْو الخفيف في الأشواط الثلاثة الأولى، ويمشي في الباقي وليكثر المعتمر من الدعاء والذكر في طوافه كله.
4- ركعتا الطواف: يُسَّن له صلاة ركعتين بعد الطواف عند مُقام إبراهيم عليه السلام.
5- سُنَّن تتعلق بالسعي: تُسَّن الموالاة بين السعي والطواف، ونية السعي، والسعي الشديد بين الميلين الأخضرين، كما تُسَّن الموالاة بين أشواط السعي عند الجمهور، وهي شرط لصحة السعي عند المالكية.ومنها ما لا يتعلق بالأعمال، وإنما هي مستقلة بذاتها مثل:
6- الشُرْبُ من ماء زمزم: لما ثبت عن النبي صلي اللَّه عليه وسلم أنه «لما شُرِبَ له».
7- زيارة القبر الشريف: ولو لغير الحاج والمعتمر، ولها آثار كثيرة يطول المقام بذكرها.
.. وننبه هنا إلى أمور مهمة ينبغي للحجاج مراعاتها إذا كتب اللَّه تعالى له الحج، وهي أنه إذا استقر عزمه على الحج بدأ بالتوبة من جميع المعاصي والمكروهات، ويخرج من مظالم الناس، ويقضي ما أمكنه من ديونه، ويرد الودائع، ويستحل كل من بينه وبينه معاملة في شيء أو مصاحبة، ويكتب وصيته، ويُشْهِد عليها، ويوكِّل مَن يقضي عنه ما لم يتمكن من قضائه، فإن الله يغفر الذنوب كلها إلا حقوق العباد، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين» أخرجه مسلم.. ويترك لأهله ومَن تلزمه نفقته نفقتهم إلى حين رجوعه.
وعليه بعد ذلك أن يجتهد في إرضاء والديه، ومَن يتوجب عليه برُّه وطاعته، وعليه أن يتحرى الحلال في مال الحج، فلا يحج بمال فيه شبهة أو غيره، فإن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذِّيَ بالحرام فأَنَّي يُسْتَجاب لذلك» (أخرجه مسلم).
ثم بعد ذلك يحرص على صحبة رفيق موافق صالح يعرف الحج، وإن أمكن أن يصحب أحد العلماء العاملين فليمسك به فإنه يعينه على مبارّ الحج ومكارم الأخلاق.
وعند سفره يستحب أن يودع أهله وجيرانه وأصدقاءه ويقول لمن يودعه ما جاء في الحديث: «أستودعك اللَّه الذي لا تضيع ودائعه» (أخرجه أحمد) ويُسَّن للمقيم أن يقول للمسافر: «أستودع اللَّه دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك» (رواه الحاكم في المستدرك).
ثم يصلي ركعتين قبل الخروج من منزله، يقرأ في الأولي سورة: {قُل يَا أيُّهَا الْكَافِرُون} وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدْ}.. وعليه كذلك أن يلم بأحكام السفر ورُخَصه مثل: الجمع والقَصْر.
ثم عليه أن يستعد للإحرام وهو في اللغة: الدخول في الحُرْمَّة. ومعناه الشرعي: نية الحج عند الجمهور، والنية مع التلبية وهي قول: لبيك اللهم عند الحنفية، والإحرام رُكن من أركان الحج عند الجمهور، وشرط من شروط صحته عند الحنفية.
ويبدأ المسلم الاستعداد للحج والإحرام بالاغتسال والتنظيف تطييب البدن، ثم يصلي ركعتين سُنَّة الإحرام، وتجزئ عنهما صلاة المكتوبة، ثم ينوي الحج حسب الهيئة التي سيؤديه بها. فللحج ثلاث هيئات هي: الإفراد. والقران. والتمتع.
إن الاستعداد للحج من الأمور المهمة لأداء هذه الفريضة ويجب على المسلم الحاج أن يهتم بهذا الإعداد ويوليه الوقت والجهد الكافي..
تقبل اللَّه من الحجاج والمعتمرين.. آمين
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان» (صحيح البخاري) وللحج أركان أساسية إذا ترك المسلم منها شيئا بطل حجه وأول هذه الأركان الإحرام وله واجبات والواجب في الحج هو العمل الذي إذا تركه الحاج لم يفسد حجه ولا يبطل وإنما يجب عليه الفداء.
ويجب علي المحرم أمران في إحرامه:
1- الإحرام من الميقات الزماني والمكاني والميقات من التوقيت. وهو: أن يجعل للشيء وقت يختص به ثم اتسع فيه فأطلق على المكان ويطلق على الحد المحدد للشيء والذي نقصده في الشرع بالمواقيت: أنها: «مواضع وأزمنة معينة لعبادة مخصوصة». ويجب على المسلم أن يحرم من الميقات فإن جاوز الميقات المكاني فدى. وإن أحرم قبل الميقات الزماني فدى، فما هو الميقات الزماني والميقات المكاني؟
أولاً: الميقات الزماني: وهو الزمن الذي يحرم فيه الحاج بالحج. وهو شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. أي من أول شوال إلى طلوع فجر يوم النحر. فيجوز للحاج أن يحرم بالحج من هذا الوقت. ويفوت الإحرام بالحج بعد فوات فجر يوم النحر.
ثانياً: الميقات المكاني: المحرم إما أن يكون آفاقيا أو ميقاتياً أو حرمياً. والآفاقي: هو من منزله خارج منطقة المواقيت. ومواقيت الآفاقي هي:
أ- ذو الحليفة: لأهل المدينة ومن مر بها.
ب- الجحفة: لأهل الشام ومن جاء من قبلها كأهل مصر والمغرب. وهي مندثرة وتبعد 187ك من مكة. ويحرم الناس الآن من رابغ على بعد 204ك شمال غرب مكة.
جـ- قرن المنازل: ويسمي الآن السيل لأهل نجد. وهي على بعد 94 ك شرق مكة.
د- يلملم: لأهل اليمن وتهامه والهند. وهي على بعد 54ك جنوب مكة
هـ- ذات عرق: لأهل العراق وسائر أهل المشرق. وهي على بعد 94ك شمال شرق مكة.
أما الميقاتي: هو من كان في مناطق المواقيت أو ما يحاذيها أو ما دونها إلى مكة. وهؤلاء ميقاتهم من حيث أنشأوا العمرة وأحرموا بها. إلا أن الحنفية قالوا: ميقاتهم الحل كله. والمالكية قالوا: يحرم من داره أو مسجده لا غير. والشافعية والحنابلة قالوا: ميقاتهم القرية التي يسكنونها لا يجاوزونها بغير إحرام.وأما الحرمي: وهو المقيم بمنطقة الحرم والملكي ومن كان نازلا بمكة أو الحرم. وهؤلاء ميقاتهم للحج المفرد والمتمتع مكة ذاتها. وبالنسبة للحاج القارن والمعتمر فلابد أن يخرجوا للعمرة عن الحرم إلى الحل ولو بخطوة واحدة يتجاوزون بها الحرم إلى الحل.
وإذا تجاوز المعتمر والقارن الميقات المكاني ولم يحرما بعد فليحرما. وعليهما شاة جذعة من الضأن وثنية من الماعز. تذبح وتوزع على فقراء الحرم.
2- ترك محظورات الإحرام:
وهو الواجب الثاني من واجبات الإحرام: وهي الأشياء التي يحرم على المسلم فعلها أثناء إحرامه. وإذا فعلها وجب عليه التوبة والكفارة عن بعضها. كل فعل بما يناسبه من الكفارة وهذه المحرمات منها:أ- ما يحرم على الرجل: لبس المخيط وكل ما نسج محيطا بالجسم أو ببعض الأعضاء كالجوارب. ويحرم عليه وضع غطاء على الرأس وتغطية وجهه. ولبس حذاء يبلغ الكعبين.
ب- ما يحرم على المرأة: ستر الوجه بستر يلامس البشرة. لبس قفازين. وتلبس سوى ذلك لباسها العادي. جـ- ما يحرم على الرجال والنساء: الطيب وأي شيء فيه طيب. وإزالة الشعر من الرأس ومن أي موضع في الجسم. واستعمال الدهن الملين للشعر أو الجسم -ولو غير مطيب- وتقليم الأظفار والصيد والجماع ودواعيه المهيئة له. والرفث «أي: المحادثة بشأن الجماع ودواعيه» وليجتنب المحرمون الفسوق أي: مخالفة أحكام الشريعة. وكذا الجدال بالباطل.
ويجب في ارتكاب شيء من محظورات الإحرام الفدية والكفارة. وفي الجماع خاصة فساد العمرة والحج مع الكفارة والقضاء. عدا ما حرم من الرفث والفسوق والجدال ففيها الإثم والجزاء الأخروي فقط.الكفارات الواجبة: تختلف الكفارة حسب اختلاف المحظور الذي وقع فيه المحرم. ويمكن أن تقسم الكفارات الواجبة بترك محظورات الإحرام إلى ما يلي:
1- الكفارة في حلق الشعر أو إزالته: وهي على التنجير بين شاة -أو صيام ثلاثة أيام- أو التصدق بثلاثة أصع علي ستة مساكين.
2- الكفارة في قتل الصيد: إذا كان الصيد مما له مثل فكفارته أن يذبح مثله من الأنعام. فالنعامة يماثلها الجمل أو البقرة والغزالة تماثلها الشاة. فإن لم يجد قومه واشترى بثمنه طعاما وتصدق به على فقراء الحرم. فإن لم يجد صام عن كل مد يوما. وإن كان الصيد مما ليس له مثل قوم الصيد نفسه واشتري بثمنه طعاما وتصدق به أو صام عن كل مد يوما.
3- الكفارة لقطع شجر الحرم: الشجرة الكبيرة كفارتها ذبح بدنة والصغيرة شاة.
4- كفارة الجماع: الجماع يترتب عليه إفساد الحج. ويجب فيه الكفارة كذلك وكفارته واجبة وهي ذبح بدنة أو بقرة أو سبع شياة. أو تقويمها طعاما إن لم يجد والتصدق بها. أو الصوم عن كل مد يوما. وذلك عند الشافعية. وباقي المحرمات يترتب على فعلها الإثم وتستوجب التوبة إلى الله. وليس فيها كفارة دم.
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان» (صحيح البخاري) وللحج أركان أساسية إذا ترك المسلم منها شيئا بطل حجه وأول هذه الأركان الإحرام وله واجبات والواجب في الحج هو العمل الذي إذا تركه الحاج لم يفسد حجه ولا يبطل وإنما يجب عليه الفداء.
ويجب علي المحرم أمران في إحرامه:
1- الإحرام من الميقات الزماني والمكاني والميقات من التوقيت. وهو: أن يجعل للشيء وقت يختص به ثم اتسع فيه فأطلق على المكان ويطلق على الحد المحدد للشيء والذي نقصده في الشرع بالمواقيت: أنها: «مواضع وأزمنة معينة لعبادة مخصوصة». ويجب على المسلم أن يحرم من الميقات فإن جاوز الميقات المكاني فدى. وإن أحرم قبل الميقات الزماني فدى، فما هو الميقات الزماني والميقات المكاني؟
أولاً: الميقات الزماني: وهو الزمن الذي يحرم فيه الحاج بالحج. وهو شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. أي من أول شوال إلى طلوع فجر يوم النحر. فيجوز للحاج أن يحرم بالحج من هذا الوقت. ويفوت الإحرام بالحج بعد فوات فجر يوم النحر.
ثانياً: الميقات المكاني: المحرم إما أن يكون آفاقيا أو ميقاتياً أو حرمياً. والآفاقي: هو من منزله خارج منطقة المواقيت. ومواقيت الآفاقي هي:
أ- ذو الحليفة: لأهل المدينة ومن مر بها.
ب- الجحفة: لأهل الشام ومن جاء من قبلها كأهل مصر والمغرب. وهي مندثرة وتبعد 187ك من مكة. ويحرم الناس الآن من رابغ على بعد 204ك شمال غرب مكة.
جـ- قرن المنازل: ويسمي الآن السيل لأهل نجد. وهي على بعد 94 ك شرق مكة.
د- يلملم: لأهل اليمن وتهامه والهند. وهي على بعد 54ك جنوب مكة
هـ- ذات عرق: لأهل العراق وسائر أهل المشرق. وهي على بعد 94ك شمال شرق مكة.
أما الميقاتي: هو من كان في مناطق المواقيت أو ما يحاذيها أو ما دونها إلى مكة. وهؤلاء ميقاتهم من حيث أنشأوا العمرة وأحرموا بها. إلا أن الحنفية قالوا: ميقاتهم الحل كله. والمالكية قالوا: يحرم من داره أو مسجده لا غير. والشافعية والحنابلة قالوا: ميقاتهم القرية التي يسكنونها لا يجاوزونها بغير إحرام.وأما الحرمي: وهو المقيم بمنطقة الحرم والملكي ومن كان نازلا بمكة أو الحرم. وهؤلاء ميقاتهم للحج المفرد والمتمتع مكة ذاتها. وبالنسبة للحاج القارن والمعتمر فلابد أن يخرجوا للعمرة عن الحرم إلى الحل ولو بخطوة واحدة يتجاوزون بها الحرم إلى الحل.
وإذا تجاوز المعتمر والقارن الميقات المكاني ولم يحرما بعد فليحرما. وعليهما شاة جذعة من الضأن وثنية من الماعز. تذبح وتوزع على فقراء الحرم.
2- ترك محظورات الإحرام:
وهو الواجب الثاني من واجبات الإحرام: وهي الأشياء التي يحرم على المسلم فعلها أثناء إحرامه. وإذا فعلها وجب عليه التوبة والكفارة عن بعضها. كل فعل بما يناسبه من الكفارة وهذه المحرمات منها:أ- ما يحرم على الرجل: لبس المخيط وكل ما نسج محيطا بالجسم أو ببعض الأعضاء كالجوارب. ويحرم عليه وضع غطاء على الرأس وتغطية وجهه. ولبس حذاء يبلغ الكعبين.
ب- ما يحرم على المرأة: ستر الوجه بستر يلامس البشرة. لبس قفازين. وتلبس سوى ذلك لباسها العادي. جـ- ما يحرم على الرجال والنساء: الطيب وأي شيء فيه طيب. وإزالة الشعر من الرأس ومن أي موضع في الجسم. واستعمال الدهن الملين للشعر أو الجسم -ولو غير مطيب- وتقليم الأظفار والصيد والجماع ودواعيه المهيئة له. والرفث «أي: المحادثة بشأن الجماع ودواعيه» وليجتنب المحرمون الفسوق أي: مخالفة أحكام الشريعة. وكذا الجدال بالباطل.
ويجب في ارتكاب شيء من محظورات الإحرام الفدية والكفارة. وفي الجماع خاصة فساد العمرة والحج مع الكفارة والقضاء. عدا ما حرم من الرفث والفسوق والجدال ففيها الإثم والجزاء الأخروي فقط.الكفارات الواجبة: تختلف الكفارة حسب اختلاف المحظور الذي وقع فيه المحرم. ويمكن أن تقسم الكفارات الواجبة بترك محظورات الإحرام إلى ما يلي:
1- الكفارة في حلق الشعر أو إزالته: وهي على التنجير بين شاة -أو صيام ثلاثة أيام- أو التصدق بثلاثة أصع علي ستة مساكين.
2- الكفارة في قتل الصيد: إذا كان الصيد مما له مثل فكفارته أن يذبح مثله من الأنعام. فالنعامة يماثلها الجمل أو البقرة والغزالة تماثلها الشاة. فإن لم يجد قومه واشترى بثمنه طعاما وتصدق به على فقراء الحرم. فإن لم يجد صام عن كل مد يوما. وإن كان الصيد مما ليس له مثل قوم الصيد نفسه واشتري بثمنه طعاما وتصدق به أو صام عن كل مد يوما.
3- الكفارة لقطع شجر الحرم: الشجرة الكبيرة كفارتها ذبح بدنة والصغيرة شاة.
4- كفارة الجماع: الجماع يترتب عليه إفساد الحج. ويجب فيه الكفارة كذلك وكفارته واجبة وهي ذبح بدنة أو بقرة أو سبع شياة. أو تقويمها طعاما إن لم يجد والتصدق بها. أو الصوم عن كل مد يوما. وذلك عند الشافعية. وباقي المحرمات يترتب على فعلها الإثم وتستوجب التوبة إلى الله. وليس فيها كفارة دم.
قيمة التسامح من القيم السامية في دين الإسلام. قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125]. وقال: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) [البقرة:256]. وقال: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة:8]. وقد تحقق التسامح في الإسلام بصورة واضحة سواء التسامح الديني -والذي يعني التعايش بين الأديان والمذاهب المختلفة وحرية ممارسة الشعائر الدينية والتخلي عن التعصب الديني والتمييز العنصري- أو التسامح الفكري بمعنى حرية الحوار والمناقشة والمعارضة مع عدم التعصب للأفكار الشخصية ومنح الحرية في الإبداع والاجتهاد ولقد رسخ الإسلام في قلوب المسلمين تحت شعار التسامح معاني كثيرة:
1- الديانات السماوية تستقى من معينٍ واحد، قال عز وجل: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) [الشورى:13].
2- الأنبياء إخوة لا تفاضل بينهم من حيث الرسالة ومن حيث الإيمان بهم قال تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة:136].
3- العقيدة لا تنعقد في القلب إلا بالاقتناع العقلي والاطمئنان القلبي وبناء على ذلك جاء النهي عن الإكراه في الاعتقاد حيث قال تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:256].
4- يجب احترام العباد ورجال الدين وأماكن العبادة على اختلافها حيث قال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40] .
5- حرص القرآن على أن يربي أتباعه على مجادلة المخالفين بالحسنى والعقل بما يعكس روح احترام الآخر واحترام نظرته المختلفة وذلك لأجل إقامة علاقات إنسانية بين الناس على أساس التسامح والسلام قال تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [العنكبوت:46]. وقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125]. وقال تعالى حينما كلف موسى وهارون بالذهاب إلى فرعون وقومه ودعوتهما إلى الإيمان بالله: (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طه:42-44].
فتحقيق السلام هو غاية جميع العلاقات الإنسانية والتسامح مع الآخرين هو الوسيلة النافعة في تحقيق تلك الغاية وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم استخدامه الأسلوب الرقيق والكلمة الطيبة مع المخالفين وقدم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه النموذج في التسامح والعفو حينما أمن أهل مكة بعد فتحها عزيزاً منتصراً قوياً سامحهم على ظلمهم له وبغيهم على أصحابه وقال: يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب ثم تلا هذه الآية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات:13] الآية ثم قال: يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم؟ قالوا: خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» (السيرة النبوية لابن هشام 2/412). وهذا تحقيق وتحقق بقول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) [الأحزاب:21].
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) [الأحزاب:41]. وقال سبحانه: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) [البقرة:200]. وقال: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة:10]. وقال: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) [المزمل:8]. وتعدد الأمر الإلهي بالذكر يؤكد أن الذكر جزء من عقيدة المسلم وجزء من يومه وجزء من حياته وجزء من هويته. وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك من خلال برنامج يومي حرص عليه النبي ودعا الصحابة إليه لأهميته حتى يكون المسلم على صلة دائمة بربه.
ويبدأ برنامج النبي اليومي في الذكر مع استيقاظه فكان إذا استيقظ في الصباح ذكر ربه فقال: «الحمد لله الذي عافاني في جسدي وردّ عليّ روحي وأذن لي بذكره» (سنن الترمذي). ثم إذا قام من فراشه قال: «أصبحنا وأصبح الملك لله» (صحيح مسلم). وكان إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» (صحيح البخاري). والخبث بضم الخاء جمع الخبيث: وهو من شياطين الجن والخبائث جمع الخبيثة: وهي من شياطين الجن فيستعيذ من ذكرانهم وإناثهم عند دخول هذا المحل الذي تتواري فيه الفضلات وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: «غفرانك» (سنن أبي داود).. وهي كلمة بليغة خفيفة على اللسان عظيمة في الميزان لها أكبر الأثر في ذكر الله على كل حين وينبغي على المسلم أن يداوم عليها فإن كثيراً من الناس على الرغم من خفة هذا العمل لا يداوم عليه ولا يذكر الله في كل وقت وحين.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته قال: «بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله» (سنن أبي داود). وكان صلى الله عليه وسلم إذا سافر في طريق فيه مرتفع وصعد هذا المرتفع كبر وقال: «الله أكبر الله أكبر الله أكبر». وإذا كان فيه منخفض نزل هذا المنخفض وسبح وقال: «سبحان الله سبحان الله سبحان الله» كما أخرج البخاري عن جابر بن عبد الله قال: كنا: إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: «اللهم افتح لنا أبواب رحمتك» (صحيح مسلم). ثم بعد ذلك يشتغل بالصلاة التي تبدأ بالذكر: «الله أكبر» ولا يحدث فيها إلا الذكر «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» (صحيح البخاري). ثم ينهيها بذكر الله بقوله: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». ثم يذكر الله بعدها كما ذكره قبلها فكان يسبح الله ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم يتم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير (صحيح مسلم).
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من سيد الاستغفار بقوله: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» (صحيح البخاري).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المساء قال: «أمسينا وأمسي الملك لله» (صحيح مسلم) وهكذا في كل حركة ولهذا المنهج الرباني والمثال الفريد في الذكر والتأسي فيه بسيد الخلق قال العلماء: إذا فقد المسلم المربي المرشد فإن مرشده الأعظم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيكثر من الصلاة عليه ولا يقل ذلك عن ألف مرة في اليوم والليلة. وعن أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: «يا أيها الناس اذكروا اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة. جاء الموت بما فيه. جاء الموت بما فيه» قال أبي قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: «ما شئت» قال قلت: الربع؟ قال: «ما شئت. فإن زدت فهو خير لك». قلت: النصف؟ قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك». قال قلت : فالثلثين؟ قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك» قلت اجعل لك صلاتي كلها. قال: «إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك» (سنن الترمذي).فالهجوا بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليل نهار. واستغفروا الله على الأقل في اليوم مائة مرة. أسوة بالحبيب المصطفي الذي لم يفتر عن الاستغفار. وإنما استغفر ربه من غين الأنوار التي أغلقت باب الخلق. وإن كان باب الحق عنده مفتوحاً دائماً. استغفروا ربكم وتوبوا إليه. واذكروه في كل وقت وحين. فالذكر منهج المسلم اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو خير الذاكرين.