ذكرنا في المقالة السابقة بشأن ما يؤمن به المسلم من الوحي والكتب التي أنزلها أن المسلم يؤمن بأن الله أنزل على إبراهيم عليه السلام صحفًا، وكذلك أنزل على موسى عليه السلام التوراة، وأنزل على داود عليه السلام الزبور، وأنزل على عيسى عليه السلام الإنجيل.
فهو لا يكذب بما جاء من أخبار في هذا الشأن، وما زاد عن ذلك من أخبار لم تذكر في القرآن والسنة، فالمسلم لا يكذبها ولا يصدقها.
ومسألة مهمة في شأن تلك الكتب السماوية، وهي أن المسلم عليه ألا يعتقد أن الله قد حفظ هذه الكتب، ولا يعتقد كذلك أنها ملزمة للمسلمين وأنها وحيهم؛ وذلك لأمرين، الأول : أن الله قد ذكر لنا تحريف هذا الكتب، قال تعالى عن بني إسرائيل : { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } ([1])، وقال تعالى عنهم كذلك : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ([2])، ويقول سبحانه مخاطبًا للمؤمنين: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}([3])، وقوله تعالى : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } ([4]).
الثاني : أنها حتى إن كانت موجودة وباقية بغير تحريف، فإن القرآن يهيمن عليها وينسخ العمل بها، قال تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }([5])، قال تعالى : {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} ([6]) وقال سبحانه عن القرآن {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ([7])، وقوله تعالى : { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } ([8]).
ويترتب على قضية الإيمان بالكتب المنزلة قضية الإيمان بالرسل إذ هم الذين أبلغوا الوحي إلى أقوامهم، فالإيمان بالرسل أحد أركان الإيمان بالله، وذلك أن المؤمن يؤمن بأن الله أرسل رسلا إلى أقوامهم وما ترك أمة إلا وأرسل إليها بشرا منهم، قال تعالى : ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ ([9]).
ويؤمن كذلك بأخبار من جاء الوحي بأخبارهم من الرسل فقد ذكر القرآن الكريم، خمسة وعشرين نبيا ورسولا، منهم ثمانية عشر ذكرهم سورة الأنعام وحدها قوله تعالى : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ } ([10]).
والسبعة الباقون هم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وآدم عليه السلام، وهود عليه السلام، وصالح عليه السلام، وذو الكفل عليه السلام، وشعيب عليه السلام، وإدريس عليه السلام. وذكرهم الله في كتابه فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا } ([11]).
وجاء ذكر آدم عليه السلام في مواضع كثيرة وأن ربنا أوحى إليه، فقال تعالى : { وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ([12]). وقال الله تعالى عنه كذلك {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } ([13]).
أما ذو الكفل عليه السلام فقد ذكر في موضعين في القرآن، قال تعالى : { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} ([14]). وقوله تعالى : { وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ} ([15])، وذكر إدريس عليه السلام في أكثر من موضع في القرآن منها قوله تعالى : { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} ([16])، ولهود عليه السلام سورة في القرآن باسمه، وقد ذكره الله تعالى في كتابه في أكثر من موضع منها قوله تعالى : {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ } ([17]).
وجاء ذكر صالح عليه السلام في القرآن في أكثر من موضع، منها : قوله تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } ([18]). وذكر الله شعيبًا في القرآن في أكثر من آية منها قوله تعالى : {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ } ([19])
هؤلاء هم من جاء ذكرهم في القرآن الكريم، فالمؤمن لا يكذب بنبوة أحد منهم، كما يعتقد أن الله أرسل رسولا غيرهم، فعدد الأنبياء والمرسلين أكبر من ذلك، قال تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} ([20]).
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إنى خاتم ألف نبي أو أكثر ما بعث نبي يتبع إلا قد حذر أمته الدجال»([21])، وكذلك عن أبي ذر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «يا رسول الله، كم النبيون ؟ قال: مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي. قلت : كم المرسلون منهم ؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر»([22]).
وكما هو حال المؤمن في الإيمان بالكتب، ينبغي أن يكون حاله في الإيمان بالرسل من حيث الاتباع، فلا يجوز لأحد من المسلمين أن يترك اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم ويتبع غيره من الأنبياء، وإنما يكون إيمانه بالأنبياء أن يؤمن بأن الله بعثهم لأممهم وأمرهم بطاعتهم، ولا يجوز أن نتبعهم لنفس الأمرين المذكورين في الكتب، وهما؛ الأول : أننا لا نطمئن لما نقل عنهم في كتب الآخرين لما دخل عليه من تحريف. والثاني : حتى إن كان ما نقل عنهم غير محرف لا يجوز لنا اتباعهم لأن؛ اتباعهم نسخه الله ببعثة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم : « قد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي »([23]) وساق ابن كثير بسنده إلى جابر رضي الله عنه حديث : « وإنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني، وفي بعض الأحاديث لو كان موسى وعيسى حيين ونصف حيين لما وسعهما إلا اتباعي »([24]).
وعندما نتكلم عن الوحي عند المسلمين فإننا نعني القرآن والسنة، وهما الحجة أو المصادر الأصلية للتشريع، فالحجة تتمثل في القرآن الكريم باعتباره الوحي المعصوم المحفوظ الذي هو كلام الله سبحانه وتعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وذلك لقوله تعالى : ﴿ ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة :2] ولقوله تعالى : ﴿لاَ يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت :42]. ولقوله تعالى : ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر :9].
وفي السنة النبوية المشرفة باعتبارها التطبيق المعصوم الدقيق الواضح العملي الذي علمنا مناهج الوصل بين المطلق [الوحي] وبين النسبي [الواقع]، ولأنها صادرة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الموصوف من ربه بأنه ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى﴾ [النجم :3] والموصوف من ربه بأنه ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء :107] والموصوف من ربه بأنه أسوة حسنة، قال الله تعالى : ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب :21] والموصوف من ربه بأنه له الطاعة والاتباع، قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد :33]، وقال سبحانه : ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران :31].
وقد وصل إلينا القرآن بالتواتر لم يختل فيه حرف واحد، وحفظ عليه على مستوى الأداء الصوتي للحروف ومخارجها والكلمات وطريقة نطقها، ونشأت عدة علوم للحفاظ على هذا الكتاب الكريم كما هو منها : علم النحو والصرف، والقراءات، والتفسير، بل وعلوم اللغة كلها، بل إن المعاجم العربية إنما وضعت للحفاظ على هذه البيئة التي منها ذلك الكتاب العظيم.
أما السنة فقد بذل المسلمون جهدا مبدعا وغير مكرر في توثيق كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فأنشئوا علوما كثيرة، ولم يحدث مثل ذلك أبدا لأي نبي أو مفكر أو عالم أو شاعر أو أديب في تاريخ البشرية فهو أمر فريد اختص بكلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
كان للصحابة –رضوان الله عليهم- عناية شديدة في رواية الحديث ونقله، فرحل جابر بن عبد الله الأنصاري مسيرة شهر إلي عبد الله بن أُنَيْس في حديث واحد [ذكره البخاري في صحيحه].
وقد اعتمد الصحابة على الرواية والمشافهة، فلم يكن التدوين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم تدوينًا رسميًا, بمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابة رسميًا بتدوين السنة، ولم يعين لذلك كتبة مثل كُتَّاب الوحي الذين كانوا يدونون القرآن, غير أنه ورد الأمر النبوي لبعض الصحابة رضي الله عنه بالكتابة بصور فردية غير منتظمة, وبإذن خاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تعارض بين هذا الإذن الخاص والأمر بالكتابة مع قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»([25]).
فإن هذا الحديث كان في بداية تدوين القرآن فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ينشغل الصحابة رضي الله عنهم بشيء غير القرآن الكريم ويختلط عليهم القرآن بكلام النبي، وحتى لا يركنوا للكتابة ويهملوا الحفظ ومن هنا نهى في بدء الإسلام عن كتابة أي شيء غير القرآن الكريم،و لما زالت تلك الأسباب أذن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في كتابة الحديث لمن أراد من المسلمين، وقد تمثل هذا الإذن النبوي في أحاديث كثيرة نذكر منها :
- لما فتح الله تعالى مكة للمسلمين خطب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام رجل من أهل اليمن اسمه أبو شاه، وقال: يا رسول الله، اكتبوا لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اكتبوا لأبي شاه»([26]) وعند البخاري زيادة، عن الوليد بن مسلم، قال: قلت للأوزاعي، ما قوله، اكتبوا ؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على صريح إذنه بالكتابة.
- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم: «اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلاّ حقّ؛ وأشار بيده إلى فيه»([27]). وغير ذلك من الأحاديث، وظل التدوين والعناية بحفظ السنة حتى يومنا هذا مما جعلها مصدرا موثقا من مصادر التشريع الإسلامي.
فينبغي على المؤمن أن يؤمن بالوحي على هذا النحو الذي تم ذكره في تلك المقالات، نسأل الله أن يرزقنا صدق اليقين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
([21]) أخرجه أحمد في مسنده، ج3 ص 79، والحاكم في المستدرك، ج1 ص 588.
([22]) أخرجه الحاكم في المستدرك، ج2 ص 652، والبيهقي في السنن الكبرى، ج9 ص 4، وفي الشعب، ج1 ص 49.
([23]) رواه البيهقي في شعب الإيمان، ج1 ص 200.
([24]) راجع تفسير ابن كثير، ج1 ص 379.
([25]) رواه أحمد في مسنده، جـ1 صـ 78، والبخاري في صحيحه، جـ1 صـ 52، ومسلم في صحيحه، جـ1، ص10.
([26]) رواه أحمد في مسنده، جـ1، صـ 238، والبخاري في صحيحه، جـ1 صـ 53، ومسلم في صحيحه جـ1، صـ989.
([27]) رواه أحمد في مسنده، جـ2، صـ 162، والحاكم في المستدرك جـ1، صـ 187.