في الحديث النبوي الشريف:
" إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولي: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت"[1], فكأن هذه العبارة قد جاءت مع كل نبي, وليس فقط مع دين الإسلام, فليس الإسلام وحده هو الذي يدعو إلي الحياء, بل أن الحياء مطلوب منذ آدم وإلي خاتم النبيين محمد ﷺ .
إذن الحياء يساوي- كنتيجة لهذا الخلق الفطري الذي فطر الله الناس عليه- الانتظام والانضباط, السير في جماعة يعرف أحدنا وجبه وحقه, فيؤدي هذا ويطلب هذا, ويكون ذلك برفق ورحمة وتعاون, ويعمل الناس- كما خلقهم الله سبحانه وتعالي في مجتمع واحد.
إذا كان هناك عدم حياء, إذا لم نستحي, فهناك عدم انضباط, لن يكون هناك انضباط ولا ضابط ولا رابط, وهذا هو الفرق الكبير بين الحرية والانفلات, فالحرية حالة مطلوبة, ويجوز أن نسكن بها الحياء, فيكون هناك حرية مع الحياء, يكون هناك حرية مع العقيدة, وفي الانتقال والعمل والرأي.. إلخ.
ليس معني الحرية أن أعتدي علي غيري,وليس معني الحرية أن أنفلت أو أن أخرج عما يسمي- عند جميع العقلاء وعند جميع النظم وإلي يومنا هذا- النظام العام والآداب, هناك من يسمي بالنظام العام والآداب, وتعد مخالفته جريمة, لأنه قد خرج عن حد الحياء, وعن حد الانضباط, ولأنه قد خرج عن مفهوم الحرية التي هي الوجه الثاني والآخر للمسؤولية. والحياء هو الذي يجعلنا نصف الحرية بالحرية المقبولة التي ذكرها الله سبحانه وتعالي وأتاحها حتى في العقيدة{ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[2], ثم جعل العقاب يوم القيامة وليس في هذه الدنيا نزاع وصدام, فيقول:{ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}[3] فالمسألة بيد الله سبحانه وتعالي في يوم آخر, يحذرنا منه وينبهنا أنه سوف يكون هناك حساب حتى تستقيم سلوكياتنا في هذه الحياة الدنيا.
فالنبي ﷺ جاءه رجل يلوم أخاه في الحياء, وقال إنه يستحي, فقال ﷺ : " لا تلمه فإن الحياء خير كله"[4], ولذلك من العبارات الشائعة الخاطئة التي ننهي عنها (لا حياء في الدين), عندما يريد أحد أن يسأل سؤالا في موضوع حساس أو أي شيء آخر, ويريد أن يجعل أخاه يسأل مثلا, فيقول له: يا أخي, لا حياء في الدين أو في العلم. هذا خطأ, الصحيح أن نقول: لا حرج في الدين, فالحياء خير كله, والنبي ﷺ يشبه لنا الإيمان علي أنه شجرة مورقة, فيقول: " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها" لا إله إلا الله"- وهي القضية الكبرى, قضية توحيد الإله الخالق- وأدناها إماطة الأذى عن طريق الناس. فإذا وجدت قشرة موز ونحيتها عن الطريق حتى لا تصيب الناس بالأذى فهذا من الإيمان. " والحياء شعبة من شعب الإيمان"[5] فلماذا خصص الحياء من جميع الشعب بعد أن عرفنا أعلاها وأدناها, لأنه هو الضابط الرابط. في الحقيقة إذا ارتفع الحياء في مجالات كثيرة فإننا نكون علي خطر عظيم, والنبي r يقول: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"[6].
[1] أخرجه البخاري حديث وقم 3224.
[2] من الآية 29 من سورة الكهف.
[3] من الآية 29 من سورة الكهف
[4] أخرجه مسلم حديث رقم 54 عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله ﷺ : " الحياء خير كله" قال أو قال: " الحياء كله خير".
[5] متفق عليه.
[6] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى, وأخرجه أحمد في مسنده بلفظ" إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق.