تكلمنا في مقالات سابقة عن أركان الحج وواجباته، ومحظوراته، وغير ذلك من مسائله، وفي هذه المرة نتكلم عن سنن الحج، ثم نوضح كيف يحج المسلم حجًّا كاملاً.
أولا : سنن الحج :
هناك سنن كثيرة للحج منها ما يتعلق بهيئة الأداء، وما يتعلق بالإحرام، وما يتعلق بالسعي، وهناك سنن لا تعلق بأعمال، بل هي مستقلة، وبيان ذلك فيما يلي :
- سنة تتعلق بهيئة أداء الحج : وهي الإفراد، فالإفراد بالحج أفضل، إذا اعتمر في نفس العام عند الشافعية، ودليلهم ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها : «أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج» [رواه مسلم].
- سنن الإحرام : هي : الاغتسال، وتطييب البدن لا الثوب، وصلاة ركعتين، يفعل هذه الثلاثة قبل الإحرام. ثم التلبية عقب النية، والتلبية فرض في الإحرام عند الحنفية خلافا للجمهور، ويسن للمعتمر أن يكثر من التلبية منذ نية الإحرام بالعمرة إلى بدء الطواف باستلام الحجر الأسود، عند الجمهور، وقال المالكية المعتمر الآفاقي يلبي حتى يبلغ الحرم، لا إلى رؤية بيوت مكة، والمعتمر من الجعرانة أو من التنعيم يلبي إلى دخول بيوت مكة.
- سنن تتعلق بالطواف : ويسن له أن يضطبع في أشواط طوافه هذا كلها, والاضطباع أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه اليمنى , ويرد طرفيه على كتفه اليسرى ويبقي كتفه اليمنى مكشوفة, كما يسن للرجل الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى, ويمشي في الباقي, وليكثر المعتمر من الدعاء والذكر في طوافه كله.
- ركعتي الطواف : يسن له صلاة ركعتين بعد الطواف عند مقام إبراهيم عليه السلام.
- سنن تتعلق بالسعي : تسن الموالاة بين السعي والطواف، ونية السعي، والسعي الشديد بين الميلين الأخضرين، كما تسن الموالاة بين أشواط السعي عند الجمهور، وهي شرط لصحة السعي عند المالكية.
ومنها لا يتعلق بالأركان وأفعالها :
- الشرب من ماء زمزم : لما ثبت عن النبي r أنه لما شرب له.
- زيارة القبر الشريف : ولو غير الحاج والمعتمر، ولها آثار كثيرة يطول المقام بذكرها.
ثانيا : كيف يحج المسلم حجا كاملاً :
1- أعمال ما قبل الحج
ينوي المسلم في إحرامه الكيفية التي يريد أداء الحج عليها, فإن أراد الإفراد نوى الحج , وإن أراد القران نوى الحج والعمرة, وإن أراد التمتع نوى العمرة فقط. فإذا دخل مكة بادر إلى المسجد الحرام, وتوجه إلى الكعبة المعظمة بغاية الخشوع والإجلال, ويبدأ بالطواف من الحجر الأسود, فيطوف سبعة أشواط, وهذا الطواف هو طواف القدوم للمفرد بالحج, وهو طواف العمرة لمن أحرم متمتعا، أما إن كان قارنا فيقع عن القدوم.
ويقطع المتمتع التلبية بشروعه بالطواف, ولا يقطعها المفرد والقارن حتى يشرع في الرمي يوم النحر. ويستلم الحجر في ابتداء الطواف ويقبله , وكلما مر به , إن تيسر ذلك من غير إيذاء لأحد , وإلا لمسه بيده أو بشيء يمسكه بها وقبله , وإلا أشار بيديه , وإذا فرغ من طوافه يصلي ركعتي الطواف عند مقام إبراهيم إن أمكن.
ثم إن أراد السعي يذهب إلى الصفا ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط, كسعي العمرة الذي سبق توضيحه. وهذا السعي يقع عن الحج للمفرد, وعن العمرة للمتمتع, وعن الحج والعمرة للقارن. وهنا يحلق المتمتع رأسه بعد السعي أو يقصره, وقد حل من إحرامه . أما المفرد والقارن فهما على إحرامهما إلى أن يتحللا بأعمال يوم النحر.
ثانيا : أعمال الحج
(1) يوم التروية : وهو يوم الثامن من ذي الحجة , وينطلق فيه الحجاج إلى منى , ويحرم المتمتع بالحج من مكة بعد الضحى , أما المفرد والقارن فهما على إحرامهما , وعندما يصلون إلى منى يبيتون بها اتباعا للسنة, ويكثرون فيها من ذكر الله والصلاة على النبي r ويمكثون في منى حتى فجر يوم عرفة فيصلون فيها خمس صلوات : الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر . وهذا فجر يوم عرفة.
(2) يوم عرفة : وهو يوم عظيم يؤدي فيه الحجاج الوقوف بعرفة ركن الحج الذي يتوقف على فواته بطلان الحج, ويقوم فيه الحاج بالآتي :
أ - الوقوف بعرفة : ويخرج الحاج في هذا اليوم من منى بعد صلاة الفجر متوجها إلى عرفة, وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة, ويسمع خطبة عرفة ويصلي الظهر والعصر جمع تقديما, ثم يدخل عرفة فيقف بعرفة مراعيا مبتهلاً , ويستمر في الوقوف إلى غروب الشمس, ولا يخرج من عرفة قبل الغروب، ويتوجه إلى الله في وقوفه خاشعا ضارعا بالدعاء والذكر والقرآن والتلبية.
ب - المبيت بالمزدلفة : إذا غربت شمس يوم عرفة يسير الحاج من عرفة إلى المزدلفة , ويجمع بها المغرب والعشاء تأخيرا , ويبيت فيها, ثم يصلي الفجر ويقف للدعاء , ويستمر واقفا يدعو ويهلل ويلبي حتى يسفر جدا , لينطلق إلى منى . ويستحب له أن يلقط الجمار ( الحصيات الصغار ) من المزدلفة , ليرمي بها , وعددها سبعون , للرمي كله , وإلا فسبعة يرمي بها يوم النحر.
(3) يوم النحر :
يتوجه الحاج من مزدلفة إلى منى يوم النحر قبل طلوع الشمس , ليؤدي أعمال النحر , وهو أكثر أيام الحج عملا , ويكثر في تحركه من الذكر والتلبية والتكبير.
أ - رمي جمرة العقبة : فعندما يصل الحاج إلى منى يقوم برمي جمرة العقبة بالحصى الذي جمعه من المزدلفة, وتسمى الجمرة الكبرى. يرميها بسبع حصيات , ويكبر مع كل حصاة , ويقطع التلبية مع ابتداء الرمي.
ب - نحر الهدي : وهو واجب على المتمتع والقارن , سنة لغيرهما، فيقوم بنحر شاة جذعة من الضأن أو ثنية من الماعز
ج - الحلق أو التقصير : والحلق أفضل للرجال , مكروه كراهة شديدة للنساء .
د - طواف الزيارة : ويأتي ترتيبه بعد الأعمال السابقة , فيفيض الحاج أي يرحل إلى مكة ليطوف الزيارة , وهو طواف الركن في الحج. ثم يعود إلى منى مرة أخرى لأعمال أيام التشريق من رمي الجمار.
هـ - السعي بين الصفا والمروة : لمن لم يقدم السعي من قبل .
و - التحلل : ويحصل بأداء الأعمال التي ذكرناها , وهو قسمان :
1- التحلل الأول : أو الأصغر : تحل به محظورات الإحرام عدا النساء ويحصل بكل أعمال يوم النحر عدا طواف الإفاضة .
2- التحلل الثاني : أو الأكبر : تحل به كل محظورات الإحرام حتى النساء . ويحصل بطواف الإفاضة فقط.
أعمال أول وثاني وثالث أيام التشريق :
أ - المبيت بمنى ليلتي هذين اليومين : فبعد طواف الإفاضة الذي به التحلل الأكبر يتوجه الحاج للمبيت بمنى هذين اليومين وفي هذين اليومين يقوم برمي الجمار؛ بحيث يخرج في اليوم الأول بعد صلاة الظهر (بعد الزوال) يرمي الجمار الثلاثة على الترتيب : الجمرة الأولى أو الصغرى وهي أقرب الجمرات إلى مسجد الخيف بمنى , ثم الجمرة الثانية أو الوسطى , ثم الثالثة الكبرى جمرة العقبة. يرمي كل واحدة بسبع حصيات , ويدعو بين كل جمرتين. ويقوم بنفس هذا الفعل في اليوم الثاني.
ب - النفر الأول والثاني : يحل للحاج إذا رمى جمار اليوم الثاني من أيام التشريق أن يرحل إلى مكة , إذا انتهى من رمي الجمار الثلاثة قبل الغروب ويسمى النفر الأول، أما إذا غربت عليه شمس اليوم الثاني وجب عليه أن يمكث إلى اليوم الثالث من أيام التشريق وهو رابع أيام عيد الأضحى المبارك؛ حيث يقوم فيه بنفس أعمال رمي الجمار الثلاثة السابق بيانها. ثم يتوجه إلى مكة ولا يحل له أن يمكث في منى بعد ذلك وهذا يسمى النفر الثاني.
ج- التحصيب : وهو نزول الحاج بالمحصب (موضع بمكة) يصلي فيه ويذكر الله تعالى فيه وهو مستحب.
د- طواف الوداع : يمكث الحاج بمكة ما أراد أن يمكث في ذكر لله وغيره من أعمال البر وأعمال المعاش، وليعلم أنه في حرم الله، وفي أطهر بقاع الأرض فليتق الله ليراقبه دائما، فيجوز له أن يعتمر أو يزور من يعرفهم ثم إذا أراد السفر من مكة يجب عليه يطوف بالبيت طواف الوداع, والمعنى الملاحظ في هذا الطواف أن يكون آخر العهد بالبيت, وبعد أن يصلي ركعتي الطواف , يأتي زمزم ويشرب من مائها مستقبل البيت ويدعو بما شاء , ويتشبث بأستار الكعبة, ويستلم الحجر الأسود إن تيسر له من غير إيذاء أحد, ثم يسير إلى باب الحرم ووجهه تلقاء الباب, داعيا بالقبول, والغفران, وبالعود مرة بعد مرة, وألا يكون ذلك آخر العهد من الكعبة.
وإلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية كتاب الحج، وإلى نهاية قسم العبادات من الفقه الإسلامي اعتمادًا على فقه الشافعية، مع ذكر الخلاف أحيانًا يسيرة، نسأل الله أن ينفعنا بما يعلمنا، ويعلمنا ما ينفعنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.