أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم على نبيه المصطفى ليكون هداية ورحمة للعالمين, وما تضمنه ذلك القرآن من تعاليم تهدي إلى معاملة الإنسان والكون كله برقي وحضارة ومنهج, وتدعو إلى العلم والتقدم وتنبذ العدوان والإرهاب, كل ذلك يؤكد أنه لم تشهد البشرية كتابا مثله, وكذلك لنتشهد.
وقد حفظ الله سبحانه كتابه العزيز من أي تحريف أو تدليس, فالمسلمون من أول نزول القرآن أصبحت عندهم عقيدة وثقافة لحفظه حفظا تاما, لحروفه وكلماته وحركات نطقه, وترتيب آياته وسوره, فبذلوا جهودا بديعة لترجمة هذه العقيدة وتلك الثقافة إلى واقع, وشعروا دائما بأن الله سبحانه وتعالى يؤيدهم في هذا الحفظ قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9], فتعهد الله بحفظه ولهذا لم يقع ولن يقع التبديل فيه, وكان من صور حفظ الله للقرآن أنه لم يجعل حفظه في السطور فقط, بل جعل حفظه أيضا في الصدور, فمن أول يوم حفظوه في صدورهم وكتبوه في وثائق تؤيد هذا الحفظ, وعندما جمع عثمان بن عفان رضي الله عنه المصاحف ما كان ليستطيع أن يضيف كلمة أو يحذف آية كما يتخرص الواهمون, القدامى والمحدثون الذين تسمح ثقافتهم بهذا التلاعب مع نصوص دينهم, فقد كان عثمان لا يكتب أي آية حتى يشهد عليها اثنان من الصحابة وهم عدول, ثم تناقله المسلمون تواترا جيلا بعد جيل حتى قيام الساعة, قال تعالى: (بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ) [العنكبوت:49], قال الحسن: أعطيت هذه الأمة الحفظ وكان من قبلها لا يقرءون كتابهم إلا نظرا فإذا أطبقوه لم يحفظوا ما فيه إلا النبيون. (تفسير القرطبي:13/354), وما ذلك إلا لأن القرآن محفوظ في الصدور, ميسر على الألسنة, مهيمن على القلوب, معجز لفظا ومعنى. وحفظ القرآن أمر كوني يتولاه الله عز وجل بنفسه, ودلالة ذلك ما نجده من أطفال لا تتجاوز أعمارهم خمس سنوات ويحفظون القرآن عن ظهر قلب, فمتى حفظ هؤلاء هذا الكم الكبير من الآيات؟ وكأنهم قد خرجوا من بطون أمهاتهم يحفظون ذلك الكتاب الكريم! لقد استطاع المسلمون أن يحافظوا على كتابهم على مر العصور بحفظ الله له, وجعلوه محورا لحضارتهم وأنشأوا من أجل الحفاظ عليه العلوم, وتفننوا في كتابته بأجمل الخطوط, عاشوا معه وفيه وبه, فأقاموا حضارتهم بحفظهم لكتابهم وتفاعلهم معه. فمنها لانطلاق, وإليه الرجوع, وهو المخدوم بالعلوم, ولذلك نراهم أنهم قد بدأوا في خدمة العربية من أجل القرآن. كل هذا كان منهم بغرض حفظ كتاب رب العالمين, دون حول منهم ولا قوة, فهو وعد من الله الذي أنزله بأن يحفظه, ولم يكن في مقدور سيدنا محمد ولا أحد من البشر من بعده أن ينفذ هذا الوعد. ولكن الواقع الذي نعيشه يؤكد أن الوعد قد تم, ويزداد الإعجاز عبر الزمان من كل جهة; فإن القرآن لم يحفظ في الخزانات بعيدا عن الناس, ولم يقتصر حفظه على عائلات بعينها أو على فئة بذاتها,بل إن الجميع قد حفظه, ولذلك كانت الرقابة على حفظه من كل الأمة عبر الزمان والمكان, فقد حفظه الأطفال بعشرات الآلاف في كل مكان, وزاد من الإعجاز أن حفظه من لم يتعلم العربية ولم يعرف فيها كلمة واحدة. وقد تعرض القرآن الكريم لمحاولات التحريف فلم تفلح, ولمحاولات الترجمة الخاطئة السيئة النية فلم تؤثر فيه, ولمحاولة الطباعة المحرفة فبقي كما هو, ولمحاولة تقليده ومحاكاته بسيئ الكلام وركيكه فلم يزحزح عن مكانته, بل إن كل ذلك أكد معجزته الباقية عبر الزمان, وأعلى من شأنه في صدور الناس, وكان كل تلك الدعاوي والافتراءات -بالرغم مما اشتملت عليه من العدوان والطغيان- سببا في تمسك المؤمنين به, وبابا جديدا للدعوة إلى الله ودخول الناس في دين الله أفواجا, وبدلا من إبادة المسلمين التي أرادها مشركو مكة ومن بعدهم الفرس والروم ومن بعدهم الفرنجة والتتار ومن بعدهم الاستعمار والمتعصبون في الشرق والغرب, بدلا من ذلك انتشر الإسلام وأصبح عدد المسلمين أكبر أتباع دين طبقا لموسوعة جينز للأرقام القياسية. ورب ضارة نافعة, ففي تطاول أولئك المتطرفين على الإسلام والقرآن دليل على خواء الفرية القديمة والحديثة القائلة إن الإسلام انتشر بالسيف وهو محض افتراء, ذلك أنه في ظل تسامح المسلمين مع الحملة الشرسة التي توجه ضدهم وتصفهم بالإرهاب, نجد تزايد أعداد المسلمين في العالم أجمع يوما بعد يوم, شرقا وغربا. وذاع القرآن بصورة سلمية لأنه كتاب يصل إلى القلب والعقل معا, ينير البصر والبصيرة, ويعرف طريقه إلى النفوس السوية التي تخلصت من الحقد والكراهية. لقد كشفت الآونة الأخيرة عن نتائج مهمة ينبغي أن ينتبه لها المسلمون, فلا ننتظر حرقا آخر لكتاب الله من حاقد أو معتوه, أو طعنا في حفظه وقدسيته من متعصب أو جاهل كي ننهض إليه وندفع عنه الجهل والتشويه, إننا كمسلمين مطالبون بأن نعود إلى ريادة كتاب الله في آياته ومعانيه, بالقول والعمل, ونأخذ بزمام المبادرة ولا ننتظر ردود الفعل, ونخلع عن أنفسنا ثوب التقصير الذي طالما ارتديناه, فنصل إلى أرجاء المعمورة, نبلغ عن الله عز وجل كتابه العظيم وسنة نبيه, بالقول والعمل, وبكل لغات العالم, رغما فتراء الحاقدين ومعاندة المكابرين, قال تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ) [الصَّف:8].
لكل أمة أيام تتخذها أعيادا تظهر فيما بمظاهر الفرح والسرور والابتهاج وتستريح فيها من متاعبها وسعيها المنهك لقواها فتستعيد بذلك نشاطها وتستأنف العمل من جديد بقوة وعزيمة.
وقد شرعت في الإسلام الأعياد تلبية لحاجة الإنسان الفطرية مادية وروحية، فمقصد الإسلام الأسمى في تشريعاته وأحكامه هو ضبط العلاقة بين الروح والجسد وبين الدنيا والآخرة فقال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) [القصص:77] فالأعياد الدينية تحيي المشاعر وتذكر الناس بما بسطه الله عليهم من النعم الوافرة وبما وفقهم إليه من القيام بأعباء ما كلفوا به، ولذلك كانت مشروعيتها أبلغ مظهر من مظاهر شكر الله على إنعامه.
ويعد عيد الفطر من أعياد الإسلام التي مثلت هذا الانسجام بين الدنيا والآخرة، ولذلك استحب الاحتفاء به، والترويح عن النفس من هموم الحياة فيه، فقد جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فقال صلى الله عليه وسلم: «قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى» (سنن النسائي 1/542).
والحكمة من عيد الفطر هي إظهار شكر الله على ما أنعم به على المسلم من أداء فريضة الصيام على أكمل وجه، وأي عمل يبتهج به المسلم أهم من القيام بما فرضه الله عليه؟ وبذلك سما الإسلام بمعنى العيد، إذ ربط فرحته بالتوفيق في أداء الفرائض وشكر الله على القيام بها وقد سن الله تعالى في عيد الفطر صلاة العيد، وأمر أن يخرج الناس إليها وعليهم مظاهر الفرح والترفه والابتهاج حتى ترى نعمة الله عليهم.
وصلاة العيد تعد مظهرا من مظاهر الفرحة فترتفع الأصوات فيها بالتكبير في بهجة وسرور، وقال تعالى: (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185] والتكبير هو التعظيم، والمراد به في تكبيرات العيد تعظيم الله عز وجل على وجه العموم، وذلك في كلمة: (الله أكبر) كناية عن وحدانيته بالألوهية لأن التفضيل يستلزم نقصان من عداه والناقص غير مستحق للألوهية:ولذلك شرع التكبير في الصلاة إبطالا لعبادة غير الله، وإشعارا بوحدة الأمة وإظهارا للعبودية وامتثالا وبيانا لقوله سبحانه: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم:30] وفيه خص النبي صلى الله عليه وسلم النساء بمزيد عناية واهتمام، فقد أمرهن بالخروج إلى صلاة العيد مهما كانت أحوالهن، فعن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخرج في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب قال: «لتلبسها أختها من جلبابها» (صحيح البخاري 1/123).
ومن مظاهر شكر الله تعالى في هذا اليوم إخراج صدقة العيد لتغني المحتاجين عن ذلك السؤال في هذا اليوم السعيد، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على إخراج زكاة الفطر، فقال: «أغنوهم في هذا اليوم» (سنن الدار قطني 2/152) وبذلك تكون هناك غاية أخرى من عيد الفطر ألا وهي إدخال السرور والبهجة على المسلمين رجالا ونساء وأطفالا، وناهيك بما في ذلك من معان للتكافل الاجتماعي، وبذلك يصبح البر قضية اجتماعية عامة.
ومن باب السرور والبهجة في أيام العيد السماح باللعب المباح، وهو ما لا يلهي عن أداء الواجب في وقته، فقد دخل أبو بكر رضي الله عنه على عائشة رضي الله عنها، وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان وتضربان الدف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجي بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف رسول الله عن رأسه وقال: «دعمها يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا، وإن عيدنا هذا اليوم» (صحيح البخاري 1/335).
وفي الأعياد أيضا دعا الإسلام إلى العمل على زيادة الأواصر الاجتماعية، إذ حث على بر الوالدين وصلة الأقارب ومودة الأصدقاء وزيارتهم، فتتزين المجالس بالحب والتراحم والتواد، وتزول الأحقاد والمشاحنات والنفرة من النفوس.
وفرحة العيد في أيامنا هذه لن تكتمل إلا بالتكاتف والتعاون والتواصل والظهور بالمظهر الحسن ونبذ الفرقة، والتسامح والعفو وشعور جميع أفراد الأمة بهذه الصلات التي تجمع بينهم داخل المجتمع الواحد وعلى مستوى الأمة قاطبة صلات الدين الواحد والثقافة المتلاقية والتاريخ المشترك والمستقبل الواحد.. هكذا تكتمل فرحتنا بالعيد وهكذا يكون شكرنا لله سبحانه على ما جمعنا عليه من فريضة الصيام ومن فرحة العيد في جميع أرجاء الأمة الإسلامية، بل في العالم أجمع.
أدت المؤسسات الدينية دورا بارزا في النشاط العلمي والسياسي في المجتمعات الإسلامية, فالمؤسسة الدينية عامل فاعل في تشكيل الهوية الإسلامية منذ القدم، وقد وافق البدء في إنشاء كثير من هذه المؤسسات شهر رمضان الكريم, وهو أمر ليس بمستغرب, إذ كانوا يتبركون بهذا الشهر فيضعون فيه حجر الأساس لبناء المؤسسة الدينية مخلصين لله, مما ساعد على استمرار هذه المؤسسات لتنشر روح الإسلام في ربوع العالم.
ففي الرابع والعشرين من رمضان عام عشرين للهجرة تم بناء مسجد عمرو بن العاص رضي الله عنه بالفسطاط وفي التاسع والعشرين من رمضان سنة 50 هـ أمر عقبة بن نافع ببناء مدينة القيروان لتكون حصنا منيعا للمسلمين ضد اعتداءات الروم والصليبيين, وبعد ذلك بعام وفي العشرين من رمضان بني مسجد القيروان على يد القائد المسلم عقبة بن نافع وفي الثاني عشر من رمضان سنة 254 هـ دخل أحمد بن طولون مصر, وبعد ذلك بأحد عشر عاما وفي الثاني عشر من رمضان أيضا بنى جامع ابن طولون في القاهرة. ومن أهم ما يذكر في شهر رمضان في هذا المجال البدء في بناء الجامع الأزهر الشر يف بالقاهرة, وكان ذلك في الرابع عشر من شهر رمضان سنة 359 هــ واستغرق بناؤه حوالي سنتين تقريبا, وفي السابع من رمضان سنة 361 هــ أقيمت الصلاة لأول مرة فيه, وهكذا صار الأزهر مسجدا للعبادة وجامعة للعلم والعلماء.
والأزهر الشريف منذ تأسيسه وهو يحافظ على هوية مصر الإسلامية ويعني بالثقافة الإسلامية وخدمة الإسلام والمسلمين, إضافة إلى دوره العريق في الحفاظ على التراث الإسلامي ونشر الدعوة, فلا أحد ينكر دور الأزهر على مر التاريخ باعتباره المنارة الكبرى للعالم السني قاطبة.
وقد أسهم الأزهر الشريف بدور محوري في الحياة المصرية إلى جانب دوره الديني منذ نشأته, فهو أداة بالغة الأهمية في تشكيل الشخصية المصرية في الداخل والخارج من ناحية تأثيره القوي على المجتمع, ويرجع ذلك إلى الطبيعة الدينية المتغلغلة في وجدان المصريين جميعا.
كما وقف الأزهر في وجه الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون وحرض الشعب المصري على الثورة مما جعل نابليون يقصف الأزهر بالمدافع ويدخله بالخيول، وفي مقاومة الاحتلال كان لطلبة الأزهر دور بارز حيث قادوا الثورات وحشدوا ضد المحتل الغاصب, وقام سليمان الحلبي الطالب الأزهري بقتل كليبر نائب بونابرت.
وظل الأزهر وأشياخه يؤثرون في صناعة السياسة المصرية, حيث أفتى شيخ الأزهر الإمام شمس الدين الإنبابي بعدم صلاحية الخديوي توفيق للحكم بعد أن باع مصر للأجانب, مؤيدا أحمد عرابي وأنصاره, مما أدى إلى تدخل السلطة في شئون الأزهر للنيل من صلاحياته. وقد نبع هذا الوعي لدى علماء الأزهر عبر العصور ليقينهم أن تعاليم الدين تحض على الحرية وعدم الرضوخ لظلم, وأن أفضل الجهاد قول الحق ولو كان مرا, فقد ورد أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقد وضع رجله في الغز: أي الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حق عند سلطان جائر (سنن النسائي 4226) فضلا عن علمهم القاطع بأن العلماء ورثة الأنبياء, ومن ثم اخذوا على عاتقهم بناء الإنسان المسلم السوي الذي يكون مناصرا للحق حاميا لدينه ووطنه, مهموما بمستقبل هذا الوطن وأبنائه, إذ من لم يصبح ويمس ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم.(المعجم الأوسط للطبراني 7683).
هكذا كان دور الأزهر –ولا يزال- في بناء الشخصية المصرية الوسطية المعتدلة, ولا غرو فهو منارة العلم ومصدر الاعتدال ومركز وحدة المجتمع، والمدافع عن الفهم الصحيح للإسلام من خلال إدراك جوهره العظيم, بعيدا عن التطرف والغلو, متخذا المنهج الوسط سبيلا له في التعامل مع عقل الإنسان ووجه وجسده. لقد كان من الحسنات العظيمة والكبرى في شهر رمضان بناء هذا الصرح الشامخ ليظل صامدا كالطود العظيم في نشر مبادئ الإسلام وتعاليمه وأخلاقه السمحة التي جعلت الناس تدخل في دين الله أفواجا, فضلا عما يمثله الأزهر من بعد تاريخي ظهر في قيادة الحركة الوطنية نحو الحرية, والاستقلال، ويعد عملي تمثل في قيادة حركة المجتمع وتشكيل كثير من قادة الرأي في الحياة المصرية العامة.
علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التفاوض والتفكير المستقبلي وكيفية الحكمة، وأن الإخلاص لله هو الأساس والأصل في كل تصرف فقد وافق على صلح الحديبية على ما فيه، حيث اتفق المشركون في الجنوب واليهود في الشمال في خيبر على سحق المدينة المنورة بالزحف عليها من كل جهة وقام صلح الحديبية لتنحية المشركين وإبطال اتفاقهم مع اليهود ثم جاءت غزوة خيبر لتفك حصار شمال المدينة، وجاء فتح مكة بعد نقض قريش للعهد الذي وقع بالحديبية ليفك حصار الجنوب إلى الأبد، ولذا فقد رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قدم به أبو سفيان بن حرب يسأل تجديد العهد ويزيد في المدة فأبى عليه صلى الله عليه وسلم ذلك فانصرف أبو سفيان على مكة وجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير إعلام أحد لذلك الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحرر حرمه من أيدي الكفار والمشركين.
وفي فتح مكة دروس وأحكام مستفادة في السياسة الداخلية والخارجية، وفيه عبر ومواعظ نتذكرها كل رمضان حيث كان فتح مكة.
1- فقبل تحرك النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بجيوشهم لفتح مكة كتب حاطب كتابا وأرسله إلى مكة يخبرهم بذلك فأطلع الله نبيه على ذلك فقال عليه الصلاة والسلام لعلي والزبير والمقداد : (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة (امرأة) معها كتاب فخذوه منها. قال : فانطلقنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة. قلنا : أخرجي الكتاب. قالت : ما معي كتاب. قلنا : لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. (يقصدون تهديدها) فأخرجتها من ضفائرها، فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين بمكة يخبرهم بأمور النبي صلى الله عليه وسلم. فقال : يا حاطب. ما هذا؟ قال : يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش (ليس له حليف) ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي ولم أفعله ارتداداً عن ديني ولا رضى بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إنه قد صدقكم. فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال : إنه قد شهد بدرا. وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله سبحانه وتعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِى سَبِيلِى وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِى تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) [ الممتحنة :1].
فانظر كيف تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخطاء الداخل، وإن كان فعل حاطب من الكبائر إلا إنه راعى الشخص والحال والمقام، وعلمنا أن الأحكام المطلقة لا تأتي بخير وأن السياسة هي رعاية شئون الأمة في الداخل والخارج، ويجب علينا الإخلاص لله وإدراك الواقع وتحصيل المصلحة وتحقيق المقاصد، والأمر ليس قاصراً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو معلم لمن بعده إلى يوم الدين، بل هو باق ببقاء الدنيا.
2- وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من حوله من العرب (أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع وسليم) فجابهم، فمنهم من وافاه بالمدينة ومنهم من لحقه بالطريق واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم، وخرج يوم الأربعاء لليلتين خلتا من شهر رمضان، وقيل لعشر وقيل لأكثر بعد العصر سنة ثمان من الهجرة، وكان المسلمون عشرة آلاف وقيل اثني عشر ألفا، وكان العباس قد خرج بأهله وعياله مسلما مهاجرا فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة وكان قبل ذلك مقيما بمكة على سقايته ورسول الله صلى الله عليه وسلم عنه راض.
وكان ممن لقيه في الطريق أبو سفيان بن الحارث ابن عمه عليه الصلاة والسلام وأخوه من رضاع حليمة السعدية ومعه ولده جعفر، وكان أبو سفيان يألف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بُعث عاداه وهجاه، وكان لقاؤهما له عليه الصلاة والسلام بالأبواء وأسلما قبل دخول مكة ثم سار صلى الله عليه وسلم فلما كان بقُديد (وهي اسم مكان) عقد الألوية والرايات ودفعها إلى القبائل ثم نزل من الظهران عشاء، فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار ولم يبلغ قريشا مسيره وهم مغتمون لما يخافون من غزوه إياهم.
فبعثوا أبا سفيان بن حرب، وقالوا إن لقيت محمداً فخذ لنا منه أمانا فخرج أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء حتى أتوا مر الظهران فلما رأوا العسكر فزعهم فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوهم فأخذوهم فأتوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم أبو سفيان فلما سار قال للعباس احبس أبا سفيان عند خطم الجبل حتى ينظر إلى المسلمين فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر مع النبي صلى الله عليه وسلم كتيبة كتيبة على أبي سفيان فمرت كتيبة فقال يا عباس من هذه قال هذه غفار. قال : ما لي ولغفار. ثم جهينة. قال مثل ذلك حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها. قال : من هذه قال هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية. فقال سعد يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة، وفي رواية تستحل الحرمة فسمعها رجل من المهاجرين فقال : يا رسول الله ما آمن أن يكون لسعد في قريش صولة. فقال : لعلي أدركه فخذ الراية منه فكن أنت تدخل بها. وروي أن أبا سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما حاداه أمرت بقتل قومك. قال لا : فذكر له ما قاله سعد بن عبادة، ثم ناشده الله والرحم فقال: يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة اليوم يعز الله قريشا، وأرسل إلى سعد فأخذ الراية منه فدفعها إلى ابنه قيس.
وفي هذه القصة دروس في السياسة والحرب تكاد لا تحصى من السرية إلى قوة الردع التي تؤدي إلى عدم إراقة الدماء إلى جزاء من أراد ولو بحسن نية دماً يراق إلى تسليم راية سعد لابنه قيس، فالأمر ليس إيغاراً للصدور أو إخراجا للضغينة إلى احترام السفراء والحكمة في التفاوضات والرضا بخطة الرشد من العدو.
3- قال موسى بن عقبة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام على المهاجرين وخيلهم وأمره أن يدخل من كداء بأعلى مكة وأمره أن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه. وبعث خالد بن الوليد في قبائل قضاعة وسليم وغيره، وأمره أن يدخل من أسفل مكة وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت، وبعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يكفوا أيديهم ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم، واندفع خالد بن الوليد حتى دخل من أسفل مكة وقد تجمع بها بنو بكر وبنو الحارث بن عبد مناف وناس من هذيل ومن الأحابيش الذين انتصرت بهم قريش فقاتلوا خالد فقاتلهم فانهزموا، وقُتل من بني بكر نحو من عشرين رجلاً ومن هذيل ثلاثة أو أربعة حتى انتهى بهم القتل إلى الحزورة إلى باب المسجد حتى دخلوا الدور فارتفعت طائفة منهم على الجبال وصاح أبو سفيان من أغلق بابه وكف يده فهو آمن ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البارقة فقال ما هذه وقد نهيت عن القتال. فقالوا : إن خالد قُوتل وبُدئ بالقتال فلم يكن له بد من أن يقاتلهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن لخالد : لم قاتلت وقد نهيتك عن القتال ؟ فقال : هم بدؤنا بالقتال وقد كففت يدي ما استطعت. فقال : قضاء الله خير.
وقال العباس بعد أن أسلم أبو سفيان وشهد شهادة الحق. يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً. قال : نعم. وأمر صلى الله عليه وسلم، فنادى مناديه من دخل المسجد فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن.
وفي ذلك كله ترى الدفاع المشروع وأن الجهل من الجاهل والعدوان من المعتدي هو سبب البلاء وفيها إنزال الناس منازلهم والتشاور في الأمر.
4- وروى أنه صلى الله عليه وسلم وضع رأسه تواضعاً لله لما رأى ما أكرمه الله تعالى به من الفتح حتى أن رأسه لتكاد تمس رحله شكراً وخضوعا لعظمته تعالى أن أحل له بلده ولم يحله لأحد قبله ولا لأحد بعده وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفرة وهو زرد ينسج على قدر الرأس مثل القلنسوة. وعن جابر أنه صلى الله عليه وسلم كان على رأسه عمامة سوداء، ولما كان الغد من يوم الفتح قام عليه الصلاة والسلام خطيبا في الناس فحمد الله وأثنى عليه ومجده بما هو أهله ثم قال : يا أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما أو يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص فيها لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أحلت لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب، ثم قال : يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم. قالوا : خيرا أخ كريم وابن أخ كريم. قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء (أي الذين أُطلقوا فلم يسترقوا ولم يؤسروا) ولما فتح الله سبحانه وتعالى مكة على رسوله صلى الله عليه وسلم قال الأنصار فيما بينهم : أترون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على الصفا رافعا يديه فلما فرع من دعائه قال : ماذا قلتم : قالوا : لا شيء يا رسول الله. فلم يزل بهم حتى أخبروه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم.
وهم فضالة بن عمير بن الملوح أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت فلما دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضالة ؟ قال نعم يا رسول الله. قال : ماذا كنت تحدث به نفسك ؟ قال : لا شيء كنت أذكر الله. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : استغفر الله، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، فكان فضالة يقول والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئاً أحب إلى منه.
فانظر إلى معنى الصفح والعفو والصبر على الناس وإلى معجزته صلى الله عليه وسلم مع فضالة ففيها عبرة وعظة.
5-وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح على ناقته القصواء وهو مردف أسامة حتى أناخ بفناء الكعبة ثم دعا عثمان بن طلحة فقال ائتني بالمفتاح فذهب إلى أمه فأبت أن تعطيه. فقال : والله لتعطينه أو ليخرجن هذا السيف من صلبي فأعطته إياه فجاء به النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه إليه ففتح الباب. رواه مسلم.
وفي الطبقات لابن سعد عن عثمان بن طلحة قال كنا نفتح الكعبة في الجاهلية يوم الاثنين والخميس، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس فأغلظت له ونلت منه فحلم عني، ثم قال : يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت. فقلت : لقد هلكت قريش يومئذ وذلت. فقال : بل عمرت وعزت يومئذ، ودخل الكعبة فوقعت كلمته مني موقعاً ظننت يومئذ أن الأمر سيصير إلى ما قال فلما كان يوم الفتح قال : يا عثمان ائتني بالمفتاح فأتيته به، فأخذه مني ثم دفعه إلى وقال خذوها خالدة نالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف. قال : فلما وليت نادني فرجعت إليه. فقال : ألم يكن الذي قلت لك. قال : فذكرته قوله بمكة قبل الهجرة ولعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت. قلت : بلى أشهد أنك رسول الله، وفي عثمان هذا نزلت آية : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء :58].
وروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم دخل هو وأسامه بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة الكعبة فأغلقوا عليهم الباب. قال ابن عمر : فلما فتحوا كنت أول من ولج، فلقيت بلالاً فسألته هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال : نعم بين العمودين اليمانيين وذهب عني أسأله كم صلى وفي إحدى روايات البخاري جعل عمودا على يساره وعمودا على يمينه وثلاثة أعمه وراءه وفي كتاب مكة للأزرقي والفاكهي أن معاوية سأل ابن عمر أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اجعل بينك وبين الجدار ذراعين أو ثلاثة أذرع فعلى هذا ينبغي لمن أراد الإتباع في ذلك أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع فإنه تقع قدماه في مكان قدميه صلى الله عليه وسلم إن كانت ثلاثة سواء أو تقع ركبتاه أو يداه ووجه إن كان أقل من ثلاثة أذرع والله أعلم قال تعالى : (وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) [آل عمران :97] صدق الله العظيم.
رمضان شهر القرآن قال تعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة :185] وقال تعال : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الدخان :3 : 6] وقال : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ القَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ * لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ) [ القدر :1 : 5]
وهو شهر الانتصارات عند المسلمين، انتصروا فيه على المشركين المعتدين في غزوة بدر الكبرى في 17 من رمضان 2هـ، وانتصر المسلمون على المشركين كذلك في فتح مكة 20 رمضان سنة 8هـ.
وانتصر المسلمون على الفرس في معركة البويب (يرموك فارس) في 14 رمضان سنة 14 هـ، وفتحوا أواسط المغرب في رمضان سنة 82 هـ، وفتحوا الأندلس وهزموا الفرنجة في 28 رمضان سنة 92 هـ، وفتحوا العمورية في 17 رمضان سنة 223 هـ، وانتصر المسلمون من الحمدانيين على البيزنطيين في رمضان سنة 362هـ، وانتصروا على الصليبيين بقيادة نور الدين زنكي في رمضان سنة 599 هـ، وهزموا التتار بقيادة قطز في 25 رمضان سنة 658 هـ، وفتح المسلمون بقيادة سليمان القانوني سلطان الدولة العثمانية بلجراد في 4 رمضان سنة 927 هـ.
وأخيراً انتصر المسلمون على اليهود الصهاينة في العاشر من رمضان سنة 1393 هـ انتصاراً أعز الله به هذه الأمة وحرر الأرض وحمى العرض وكسر شوكة العدو، وكفى الله المؤمنين شر فتنتهم وغلوهم في الإفساد في الأرض وإهلاكهم للحرث والنسل.
وانتصار العاشر من رمضان لا ينكره إلا مخذول يريد أن يؤيد العدو وأن يذهب بفرح المؤمنين فهو انتصار لا شك فيه وانكسار للعدو لا ريب فيه، فلم يغادر العدو أي أرض محتلة إلا عند كسر أنفه ووضع عنه تحت الأقدام، فهو لا يعرف إلا هذه القوة ولغة الانتصار والانكسار، وما يفعله شاهد على ذلك، فلم يغادر غزة وهي جزء بسيط من حقوق الفلسطينيين إلا تحت وطأة الانتفاضة ووخز السلاح.
فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، ولذلك فإن المشكك والمتشكك في انتصار العاشر من رمضان يتلى عليه قوله تعالى (لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور :63] ومقتضيات النصر هي قول الله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد :7] و قوله تعالى : (إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِى يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ) [آل عمران :160]
فإن نصرناه نصرنا وإن نصرنا فلا غالب لنا، والعبرة بالإنسان لا بالعدة والبنيان فقد نصر المسلمين في كل المواطن وهم الأضعف والأقل، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
إن شعائر الله سبحانه وتعالى تحيط بحياتنا كلها، وهي متنوعة ومتعددة فمنها الشعائر الزمانية والشعائر المكانية يقول تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32] وتعظيمها يكون بإجلالها وأدائها برغبة ومحبة وشغف.
ومن الشعائر الزمانية في الإسلام شهر رمضان، ذلك الشهر الذي عظمه الله وأنزل فيه كتابه وأمرنا بتعظيمه (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185] فهو شهر البعثة وهو شهر القرآن.
ذلك الشهر الذي فرض الله علينا صيامه وسن لنا رسوله صلى الله عليه وسلم قيامه، وهو شهر المواساة والإحسان ومد يد المساعدة إلى الآخرين، وشهر التراحم الذي تمتد فيه مشاعر الأخوة ومشاعر الود والتآلف بين عباد الله جميعا فيتصالح فيه المتخاصمون ويتواصل فيه المتقاطعون، ولقد جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم شعار هذا الشهر يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر (سنن الترمذي 3/66).
وقد كان أول رمضان صامه المسلمون يوم الأحد في السنة الثانية من الهجرة الموافق السادس والعشرين من فبراير سنة 624 م، وقد حبا الله رمضان بالكثير من الشعائر التي حدثت فيه، فكان فيه مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتعبد في غار حراء حيث جاءه الملك في ليلة السابع والعشرين من رمضان سنة ثلاث عشرة قبل الهجرة وبدأ نزول القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر على أرجح الأقوال.
وفي رمضان أيضا كان نزول صحف إبراهيم ونزول التوراة والإنجيل، قال صلى الله عليه وسلم: «أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، والتوراة لست مضين من رمضان والإنجيل لثلاث عشرة ليلة من رمضان». (سنن البيهقي 9/188).
وفي التاسع والعشرين من شهر رمضان في العام الثاني من الهجرة فرضت زكاة الفطر في المدينة المنورة، وزكاة الفطر يقال لها أيضا صدقة الفطر، وهي الزكاة التي يجب إخراجها على المسلم قبل صلاة عيد الفطر بمقدار محدد -صاع من غالب قوت البلد- على كل نفس من المسلمين، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين. (صحيح البخاري 2/547) ويخرجها العائل عمن تلزمه نفقته. وقد شرعها الله تعالى طهرة للصائم من اللغو والرفث، وإغناء للمساكين عن السؤال في يوم العيد الذي يفرح المسلمون بقدومه، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أغنوهم عن طواف هذا اليوم» (سنن البيهقي 3/278) خص الشرع الزكاة بمصارف محددة في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [التوبة:60] ومجموع هذه المصارف الشرعية يرجع إلى بناء الإنسان وسد حاجته وفقره والعمل على إخراجه من حالة الحاجة والمسكنة التي تعوق إسهامه في بناء المجتمع وتنميته إلى كونه عضوا فاعلا له أثره في الرقي والتعمير، وفي الشهر نفسه كان الأمر بشعيرة مهمة من شعائر الإسلام وهي الجهاد، وكانت فيه غزوة بدر الكبرى التي أعز الله تعالى فيها أهل الحق مع قلة عددهم على أهل الباطل مع كثرتهم، قال سبحانه: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [آل عمران:123] وكذا وقعت في هذا الشهر المبارك كثير من الانتصارات بعد ذلك مرورا بفتح مكة في العام التاسع من الهجرة، ومعركة القادسية في رمضان سنة 15 هـ بقيادة سعد بن أبي وقاص، وكذلك معركة حطين على يد القائد المظفر صلاح الدين الأيوبي، وهكذا انتهاء بنصر الله للعرب والمسلمين في العاشر من رمضان الموافق للسادس من أكتوبر عام 1973 م.
وفيه أيضا شرعت صلاة العيد، وقد ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاحتفال بعيد الفطر وعيد الأضحى، هذه الأعياد التي تعد مظهرا من مظاهر الفرح والسرور في الإسلام، وشعيرة من شعائره التي تنطوي على حكم عظيمة، ومعان جليلة، فالإسلام لم يأت ليكون طوقا حول رقبة معتنقيه، بل جاء تلبية لحاجة الإنسان الفطرية مادية وروحية، وكان مقصده الأسمى في تشريعاته وأحكامه ضبط العلاقة بين الروح والجسد، وبين الدنيا والآخرة، فقال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) [القصص:77]. تلك كانت أهم الشعائر التي شرعت في شهر رمضان المبارك، التي إن أردنا إحصاءها لجاءت في كتاب لطيف، والمراد هو أن هذا الشهر محل للنفحات العظيمة من الله لعباده المؤمنين.
أمر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم بقيام الليل, فقال جل وعلا: (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) [المزمل:2-4], وقال سبحانه: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا) [الإنسان:26], وقال عز وجل: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) [الإسراء:79], وكان قيام الليل فرضا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونافلة في حق الأمة إلا أنه تأكد في رمضان, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». (رواه البخاري).
وقال أيضا: «إن الله عز وجل فرض صيام رمضان وسننت قيامه فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه», (رواه أحمد), وسمي قيام رمضان بالتراويح, ولم يزد النبي صلى الله عليه وسلم -كما في حديث عائشة- عن إحدى عشرة ركعة لا في رمضان ولا في غيرها, إلا أن عمر بن الخطاب جاء فجمع المسلمين على صلاة عشرين ركعة, وعلى أن تكون التراويح جماعة في المسجد وعلى أن يرتاح المصلون بين كل أربع ركعات وقد سميت التراويح بذلك لهذه الراحة, وجمع عمر الصحابة على إمام واحد هو أبي بن كعب, فمن أراد أن يصليها جماعة فذاك, ومن أراد أن يؤخرها فيصليها في بيته فحسبه.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي». ولأن عمر من الخلفاء الراشدين, ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء» (رواه مسلم) ولأنه صلى الله عليه وسلم علم صحابته أن من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد, فبين جواز أن نحدث ما هو من الدين خارجا عن الدين, فأجاز الصحابة أن تصلي جماعة كل صلاة لم تسن فيها الجماعة, وصارت هذه قاعدة متفقا عليها ونصها: (كل صلاة لم تسن فيها الجماعة تجوز فيها الجماعة). فالجماعة سنت في صلاة العيد والكسوف والاستسقاء, ولم تسن في تحية المسجد وقيام الليل والنوافل المطلقة والاستخارة, ولكن الجماعة تجوز في هذه الصلوات, وهذا فهم الصحابة والأئمة المجتهدين عبر العصور حتى كاد يكون إجماعا حيث لا نعرف فيه خلافا.
وهذه المسألة تحرر الفرق بين السلف والخلف في مفهوم البدعة, فالسلف الصالح لم يكن كل حادث عندهم بدعة, بل البدعة ما خالف الدين, فإذا كان حادثا وليس مخالفا للدين فهو سنة حسنة مقبولة, وكل ذلك تراه في الأذكار والأدعية وكثرة العبادة ومنها التراويح.
وكان شيخ مشايخنا الإمام العلامة محمود خطاب السبكي, حريصا على التمسك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم, ورأى أن يقتصر في صلاة التراويح على ثماني ركعات لحديث عائشة السابق, وتمسكت الجمعية الشرعية بهذا الاختيار منذ نشأتها في سنة 1912م حتى الآن, ومال كثير من الناس إلى هذا الاختيار وساعدهم على ذلك أن جزء القرآن مقسم إلى حزبين, وكل حزب مقسم إلى أربعة أرباع, فالإمام يقرأ ربعا كل ركعة, والحفاظ يميلون إلى هذا لأنه أسهل في الاسترجاع والتلاوة, وطبع مصحف التهجد كل ربع في صفحة لهذا الغرض, لمن أراد أن يقرأ من المصحف في صلاته وهو جائز عند جماهير العلماء. وكان ذكوان يقرأ من المصحف ويؤم السيدة عائشة وبعض الصحابة على هذه الهيئة.
وخالف هذا الاختيار ما استقر عند الأئمة الأربعة وجماهير المسلمين شرقا وغربا سلفا وخلفا, فهو مذهب الثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد, وقال مالك في عدد صلاة التراويح ستة وثلاثون, تعلقا منه بفعل أهل المدينة في زمانه، وليس ذلك بحجة, وما فعله عمر وأجمع عليه الصحابة في عصره أولى بالاتباع.
وحدث بموجب هذا الاختلاف فتن ومحن كثيرة بين العوام حتى وصل الأمر إلى إراقة الدماء والعياذ بالله تعالى في بعض القرى منذ أكثر من ستين عاما, ومن المعروف شرعا أن المسائل الخلافية إنما هي سعة ورحمة, وليست سببا للتناوش والشجار, ولكن التعصب الأعمى مع الجهل يفعل الكثير من الفساد, وأغلب المساجد اليوم سواء من أتم جزءا في التراويح أو لم يتم مال إلى الثمانية، أما من يصلي عشرين فيساعده مصحف الدار كنار, وهو الذي التزمه مصحف الملك فهد فترى الجزء في عشرين صفحة يقرأ الإمام صفحة في كل ركعة من الركعات العشرين, وأول من كتب المصحف بهذه الطريقة هو علي بن سلطان القاري الحنفي المكي, والذي كان يكتب مصحفا كل سنة, وأرسل بعض هذه المصاحف للخليفة العثماني باسطنبول، ثم شاع هذا النمط في المصاحف العثمانية عند طباعتها وعرف لدى المتخصصين بمصحف الدار كنار ووضعت مناهج تحفيظ القرآن بناء على هذا. اللهم تقبل منا صالح أعمالنا واغفر لنا وارحمنا واجعلنا من عتقائك من النار ومن المقبولين ومن ورثة جنة النعيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اشتهر أبناء مصر المحروسة بحبهم الشديد وشغفهم وتعلقهم الوجداني بكتاب الله, فيكتب أحمد أمين في كتابه الماتع: قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية الصادر في عام 1953, تحت عنوان تلاوة القرآن: إن من سمات المصريين التي تميزوا بها عن سائر الشعوب ارتباطهم بكتاب الله, فاهتموا بحفظه وعلموه أولادهم, وأنشأوا له الكتاتيب الصغيرة في مختلف أنحاء البلاد فارتبط تعلم القرآن بتعلم القراءة والكتابة, ويقسم الشيخ المحفظ, والذي يلقبه الأطفال (بسيدنا), مهامه بين التحفيظ والمراجعة فيحفظ الطفل ما في استطاعته طوال الأسبوع, ثم يسمع للشيخ ما حفظه في بداية الأسبوع التالي, ويستمر في ذلك حتى يتم القرآن.
وامتد الارتباط بين المصريين وكتاب الله إلى حد اتخاذ تلاوته من قبل البعض حرفة ومهنة يرتزق بها, وقد انتشرت هذه المهنة كما يؤكد أحمد أمين في قاموسه بين فاقدي البصر حتى أصبحت مصدرا رئيسيا للرزق لمن يبتليه الله تعالى بفقد حبيبته, فيدعوه الناس إلى منازلهم في أيام الجمع والأعياد والمآتم للقراءة, فإذا كان حسن الصوت اشتهر وذاع صيته, وإذا تدهور به الحال, يجلس ليقرأ في الطرقات والشوارع فيعطف عليه المارة ببعض النقود أو المأكولات. ورغم حالته هذه, إلا أنه يقع في قلب المصريين في منزلة تسمو فوق منزلة المتسولين, باعتباره حافظا للقرآن.
ويعتقد المصريون أن قراءة القرآن في المنازل أو المحال التجارية تجلب البركة والرزق وتبعد الشياطين والأبالسة, واعتاد الأغنياء وأفراد الطبقة المتوسطة إحضار القراء للمنازل طوال ليالي رمضان تبركا واحتفالا بالشهر الكريم, ويدعو صاحب المنزل الأصحاب والأقرباء للاستماع للقارئ وشرب المشروعات الساخنة من شاي وقهوة, وانتشرت هذه العادة أيضا بين النساء, خاصة في المآتم فظهر جيل من القارئات المصريات مثل الشيخة: كريمة العدلية والشيخة منيرة عبده وغيرهما, وهناك تسجيلات لهن في الإذاعة المصرية التي تم تسجيلها في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين, كما اعتادت الشيخة كريمة العدلية إقامة حفل ضخم للإنشاد في الخميس الأول من كل شهر في أحد بيوت أثرياء الأقاليم وكان ذلك في عام 1905, واعتاد حضور هذه الحفلات كبار القراء وهم في مقتبل العمر حينذاك مثل الشيخ علي محمود, ومحمد رفعت, ومحمد الصيفي ومنصور بدار. (راجع ألحان السماء لمحمود السعدني).
وكانت عادة المصريين في المآتم إحضار القارئ ليقرأ ما تيسر من سورة البقرة إذا كان الوقت عصرا, وتلاوة ما تيسر من سورة يونس وهود ويوسف والرعد والنحل والإسراء إذا جن الليل, ويختمون دائما بقصار السور.
كما يتم دعوة القارئ لقراءة الآيات أثناء الدفن حتى يواري الميت التراب، وأكد أحمد أمين أن من أسباب ذلك حث النساء الحاضرات لعملية الدفن على الامتناع عن العويل والصياح حيث اعتاد المصريون الاستماع بخشوع إلى آيات القرآن متى بدأت التلاوة. ولنفس الأمر اعتاد الإمام في المسجد قراءة ما تيسر من سورة الكهف يوم الجمعة قبل الصلاة ليحث المصلين علي الإسراع للمسجد وعدم التأخر وللجلوس في سكون وتؤدة.
وامتد الأمر للحفلات السياسية الكبيرة, فكان يدعو منظمو الحفل أحد مشاهير القراء ليبدأ الحفل بتلاوة بعض آيات القرآن, وكان زعيم الأمة سعد زغلول باشا يفعل ذلك أثناء ثورة 1919, فكان يصاحبه في جميع المحافل السياسية الشيخ محمود البربري الذي كان يعرف بمقرئ حزب الوفد, فلا يبدأ الحزب اجتماعه إلا بقراءة وتلاوة الشيخ محمود, وكان الشيخ محمود يرفض التلحين في التلاوة وكان مغرما بالإعادة فيقرأ لمدة ساعات طويلة عددا قليلا من الآيات.
وعندما تم القبض عليه, طلب سعد من الشيخ منصور بدار أن يحل محله, فلقب بمقرئ الثورة وقد اعتزل الشيخ بدار التلاوة بعد تأبينه سعد زغلول لمدة سبع ليال متواصلة, ولم يظهر الشيخ بعد ذلك سوى مرتين في الذكرى السنوية الثانية لسعد زغلول سنة 1930, وفي مأتم الملك فؤاد سنة 1936.
ويؤكد أحمد أمين أن انتشار المذياع كان له أكبر الأثر في اندثار هذه العادة وهي دعوة المقرئين للمنازل والمحال التجارية, واقتصارها فقط على المآتم, واعتادت الإذاعة المصرية على التعاقد مع مشاهير القراء وأصحاب الأصوات الحسنة, وقامت بتسجيل العديد من الأسطوانات فكان لها أكبر الأثر في الحفاظ على هذا التراث الضخم من الضياع, ثم كان انطلاق إذاعة القرآن الكريم في الخامس والعشرين من مارس عام 1964م تتويجا لروح التناغم بين الشعب المصري وكتاب الله عز وجل, لكونها أول إذاعة متخصصة في الإعلام الديني في العالم العربي والإسلامي, وكانت أولى المهام الأساسية لهذه الإذاعة هي إذاعة آيات القرآن الكريم مرتلا ومجودا بصوت مشاهير القراء على مدي اليوم والليلة, كما اهتمت الإذاعة بالعلوم الشرعية الأخرى من تفسير وحديث وسنة وتاريخ إسلامي وغير ذلك بما يؤكد وسطية الإسلام ويبعده عن الأفكار الهدامة المتطرفة ويرسخ حب الانتماء للوطن والحرص على ما في الحضارة المصرية القديمة والمعاصرة من كنوز وتراث, فكانت الإذاعة ولا تزال أحد منابر الحق.
هذه هي بعض عادات المصريين مع كتاب الله, والتي تدل على مدي تعلق هذا الشعب بقراءة القرآن فأصبح جزءا من تراثه وثقافته وهويته وتاريخه وحضارته.
قراءة القرآن من العادات المحببة إلى المصريين وتتوهج هذه العادة في شهر رمضان الكريم, والمقارئ المصرية جزء لا يتجزأ من التراث المصري, حيث قالوا قديما: إن القرآن نزل في مكة, وطبع في إسطنبول, وقرئ في مصر، وتتميز مدرسة التلاوة المصرية بعدد لا حصر له من القراء أصحاب الأصوات المميزة التي جمعت بين: حلاوة الصوت, والتمكن من الأداء, والحفظ التام للقرآن, والدراسة الدقيقة لفن التجويد من إدغام وإظهار وتنوين ومد وغيرها من أحكام التلاوة, فهم كما قال عنهم شيخ مشايخ كردستان في كتابه: (أفضل قراء القرآن) إنهم -أي القراء المصريين- يجتازون عتبات الأذن ليصلوا بالمتلقي إلى قمة النشوة القرآنية ليتخيل أنه يسبح فوق نهر من لبن.
وقد حوت المكتبة المصرية العديد من الكتب الماتعة التي تناولت القراء المصريين, لعل من أشهرها كتاب الراحل محمود السعدني بعنوان: ألحان السماء الذي طبع للمرة الأولي سنة 1959م, وحوى قصصا ممتعة عن العديد من قراء الجيل الذهبي في مصر لا يعرفها سوى مؤلف الكتاب بعدما صحبهم في حياته لأيام طويلة, وسجل كل ما وصل إليه من حكاوي وقصص, وهناك كذلك كتاب الإذاعي أحمد همام بعنوان: سفراء القرآن الكريم الذي تناول فيه السيرة الذاتية لستة عشر مقرئا من مشاهير -حسب تعبيره- دولة التلاوة في مصر, حيث تناول المؤلف رحلتهم مع القرآن حتى صاروا نجوما تتلالأ في المجتمع المصري, وهناك كتاب: عباقرة التلاوة في القرن العشرين للصحفي شكري القاضي, وتطرق الكتاب لقراء لم يتحدث عنهم أحد قبل ذلك واعتبرهم المؤلف قراء عظاما مثل: الشيخ محمود البيحرمي, ومحمد محمود رمضان, والشيخ محمود أبو السعود, أما الجزء الأخير في الكتاب فحوى قائمة بأسماء القراء والمبتهلين المعتمدين في الإذاعة المصرية, وهي وثيقة مهمة توثق العديد من الأسماء التي ضاعت في صفحات التاريخ.
وتضم مدرسة التلاوة المصرية العديد من الأسماء البارزة التي تعدت في شهرتها حاجز الزمان والمكان, فهناك الشيخ محمود علي البنا الذي تناولت سيرته الشخصية ابنته الكاتبة آمال البنا, تحت عنوان: صوت تحبه الملائكة وقد ولد الشيخ في قرية شبرا باص مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية شمال مصر يوم 17 من شهر ديسمبر سنة 1962م, وحفظ القرآن الكريم في كتاب القرية على يد الشيخ موسى المنطاش, وأتم حفظه وهو في الحادية عشرة, ثم انتقل إلى مدينة طنطا لدراسة العلوم الشرعية بالجامع الأحمدي, وتلقى القراءات فيها على يد الإمام إبراهيم بن سلام المالكي, كما درس الشيخ علوم المقامات, والموسيقى على يد الحجة في ذلك المجال الشيخ درويش الحريري, ولقب بسفير القرآن لكثرة سفره لمختلف الدول العربية وبعض الدول الأوروبية لقراءة القرآن بصوته الجميل, وأعتبر قارئا لجمعية الشبان المسلمين عام 1974م, وكان يفتتح كل الاحتفالات التي تقيمها الجمعية, وانضم إلى الإذاعة المصرية في عام 1984 حيث بدأ بقراءة ما تيسر من سورة هود, وتوفي الشيخ الجليل في عام 1985، ودفن في ضريحه الملحق بمسجده في قريته التي نشأ بها.
وهناك الشيخ عبد الباسط عبد الصمد, صاحب الحنجرة الذهبية, وقد نشرت سيرته الشخصية في كتاب من تأليف الدكتور زكريا, بعنوان: صوت من السماء, وقد قدم له الإمام الأكبر شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي, وولد الشيخ في عام 1927 م بقرية المراعزة التابعة لمدينة أرمنت بمحافظة قنا, وحفظ القرآن الكريم على يد الشيخ محمد الأمير شيخ كتاب قريته, كما أخذ القراءات على يد الشيخ المتقن محمد سليم حمادة, انضم الشيخ للإذاعة المصرية سنة 1591 حيث قرأ ما تيسر من سورة فاطر, وعين قارئا لمسجد الإمام الشافعي سنة 1952 ثم لمسجد الإمام الحسين سنة 1958 خلفا للشيخ محمود علي البنا, وكان من المجاهدين لإنشاء نقابة للمقرئين, وتم تعيينه أول نقيب لها سنة 1984، وانتقل الشيخ إلى جوار ربه عام 1988، وهناك الشيخ محمد رفعت بن محمود بك، ومحمد رفعت اسم مركب, ولد في حي المغربلين بالدرب الأحمر بالقاهرة عام 1882 وهو أول من افتتح الإذاعة المصرية في 31 مايو من عام 1943, بقوله تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) [الفتح:1], وقد عرف الشيخ القارئ بالعديد من الألقاب منها قيثارة السماء, وكروان الإذاعة, والصوت الذهبي, والصوت الملائكي. توفي الشيخ في عام 1950 في نفس يوم مولده عن عمر يناهز 68 عاما، وذلك بعد إصابته بالأمراض العضال في السنوات الأخيرة من عمره, نعته الإذاعة المصرية عند وفاته قائلة: أيها المسلمون فقدنا اليوم علما من أعلام الإسلام.
ومن مشاهير مدرسة التلاوة المصرية, الشيخ القارئ محمود خليل الحصري, الذي اشتهر بقراءته المتماثلة في دقتها بالوحي المنزل على سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, وهو من القراء القلائل الذين تركوا تراثا ضخما من التسجيلات المسموعة حيث سجل القرآن كاملا مرتلا للإذاعة المصرية عام1960، كما ترك تسجيلات أخرى للمصحف المرتل بروايات مختلفة حفص, وورش عن نافع، وقالون عن نافع, والدوري, ثم المجود, فضلا عن المصحف المعلم, كما ترك العديد من المؤلفات المطبوعة حول أحكام التجويد والتلاوة مثل: أحكام قراءة القرآن الكريم, والقراءات العشر من الشاطبية والدرة, وأحسن الأثر في تاريخ القراء الأربعة عشر, بالإضافة إلى كتاب يحكي فيه بعضا من سيرته الشخصية تحت عنوان: رحلاتي في الإسلام.
هذه الأسماء الأربعة هي فقط مثال وليست حصرا للقراء المصريين, فهناك أسماء أخرى كالشيخ: صديق المنشاوي, والشيخ أبي العينين شعيشع, والشيخ مصطفي إسماعيل وغيرهم, وهم معا رسموا المعالم الأساسية للمدرسة المصرية في تلاوة كتاب الله والتي ستظل منبرا لصوت الإسلام وواحة للآذان المتعطشة للتمتع والأنس بكلام الله سبحانه وتعالى.
لفظ (رمضان) مشتق من الرمض, وهو: شدة وقع الشمس على لرمل وغيره, وقال الليث: (هو حرقة القيظ), والاسم: الرمضاء, وإنما اشتقت كلمة (رمضان) من هذا المعنى لأنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي هي فيها, فوافق رمضان أيام رمض الحر, وقيل: رمضان مشتق من (رمض الصائم) أي: اشتد حر جوفه: أو لأنه يحرق الذنوب. وجمع رمضان: رمضانات وكانت الاحتفالات في مصر برؤية هلال رمضان تبدأ في يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان وكانت الاحتفالات كبيرة وعظيمة علي مدى التاريخ الإسلامي في مصر يحضرها وجوه الناس وكبار رجال الدولة في العاصمة والمدن الكبرى, ويؤكد المؤرخ إبراهيم عناني -عضو اتحاد المؤرخين العرب- أنه في عام 155هـ خرج أول قاض لرؤية هلال رمضان وهو القاضي أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة الذي ولي قضاء مصر, وخرج لنظر الهلال, وتبعه بعد ذلك القضاة لرؤيته, حيث كانت تعد لهم دكة على سفح جبل المقطم عرفت بـ دكة القضاة, يخرج إليها لاستطلاع الأهلة, فلما كان العصر الفاطمي بني قائدهم بدر الجمالي مسجدا له على سفح المقطم اتخذت مئذنته مرصدا لرؤية هلال رمضان, كما سن الفاطميون أيضا ما يعرف بموكب أول رمضان أو موكب رؤية الهلال, وهي العادة الحميدة التي استمرت في العصر المملوكي, فكان قاضي القضاة يخرج لرؤية الهلال ومعه القضاة الأربعة كشهود ومعهم الشموع والفوانيس, ويشترك معهم المحتسب وكبار تجار القاهرة ورؤساء الطوائف والصناعات والحرف, وتم في هذا العصر نقل مكان الرؤية إلى منارة مدرسة المنصور قلاوون -المدرسة المنصورية- بين القصرين لوقوعها أمام المحكمة الصالحية مدرسة الصالح نجم الدين بالصاغة، فإذا تحققوا من رؤيته أضيئت الأنوار على الدكاكين وفي المآذن وتضاء المساجد, ثم يخرج قاضي القضاة في موكب تحف به جموع الشعب حاملة المشاعل والفوانيس والشموع حتى يصل إلى داره, ثم تتفرق الطوائف إلى أحيائها معلنة الصيام.
أما في العصر العثماني, فعاد موضع استطلاع الهلال مرة أخرى إلى سفح المقطم فكان يجتمع القضاة الأربعة وبعض الفقهاء والمحتسب بالمدرسة المنصورية في بين القصرين, ثم يركبون جميعا يتبعهم أرباب الحرف وبعض دراويش الصوفية إلى موضع مرتفع بجبل المقطم حيث يترقبون الهلال, فإذا ثبتت رؤيته عادوا وبين أيديهم المشاعل والقناديل إلى المدرسة المنصورية, ويعلن المحتسب ثبوت رؤية هلال رمضان ويعود إلى بيته في موكب حافل يحيط به أرباب الطرق والحرف بين أنواع المشاعل في ليلة مشهودة. واستمر الأمر على ذلك حتى أمر الخديو عباس حلمي الثاني بنقل مكان إثبات رؤية الهلال إلى المحكمة الشرعية بباب الخلق.
ومع إنشاء دار الإفتاء المصرية في أواخر القرن التاسع عشر, أسندت إليها مهمة استطلاع هلال رمضان والاحتفال به, وتقوم الدار بهذه المهمة كل عام بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان, ويتم ذلك من خلال لجانها الشرعية والعلمية المنتشرة بجميع أنحاء الجمهورية بالوادي الجديد وتوشكا وسوهاج وقنا والبحر الأحمر ومدينة السادس من أكتوبر ومرسى مطروح ومرصد حلوان. وتعلن الدار نتيجة الاستطلاع في احتفال جميل يحضره الإمام الأكبر والمفتون السابقون ووزير الأوقاف ومحافظ القاهرة والوزراء وسفراء الدول الإسلامية ورجال القضاء وغيرهم من رجال الدولة ويكونون جميعا في ضيافة مفتي الديار المصرية.
ولقد كان الاحتفال يتم في سرادق بجوار دار القضاء العالي عندما كان مقر دار الإفتاء فيها, ثم استقلت الدار بمبناها الحالي بالدراسة وانتقل الاحتفال لقاعة المؤتمرات بالدور الأرضي بمبنى الدار, إلى إن ضاقت بالحضور فانتقلت إلى قاعة المؤتمرات الكبرى للأزهر الشريف بمدينة نصر بالقاهرة، ويتم نقل الاحتفال من خلال الإذاعات الرسمية المسموعة والمرئية, ويبدأ الاحتفال بتلاوة بعض آيات من القرآن الكريم, ثم يعلن فضيلة المفتي ثبوت رؤية الهلال ومن ثم يكون اليوم التالي هو غرة الشهر الكريم, أو عدم ثبوته ويكون اليوم التالي المتمم لشهر شعبان.
وتتقيد دار الإفتاء المصرية في رؤية الهلال بقرارات مؤتمر جدة التي أقرتها منظمة المؤتمر الإسلامي, وقرارات مجمع البحوث الإسلامية في مؤتمره الثالث المنعقد في الفترة من 30 سبتمبر إلى 27 أكتوبر من عام 1966م, والذي نص في قراره الخاص بتحديد أوائل الشهور القمرية في بنده رقم 1 الفقرة (ب) على الآتي: يكون ثبوت رؤية الهلال بالتواتر والاستفاضة, كما يكون بخبر الواحد ذكرا كان أو أنثى, إذا لم تتمكن التهمة في إخباره لسبب من الأسباب, ومن هذه الأسباب مخالفة الحساب الفلكي الموثوق به الصادر ممن يوثق به, وهذا يعني أن الاعتماد على الرؤية البصرية هو الأساس مع الاستئناس بالحساب الفلكي لإفادته القطع واليقين في مثل تلك الأمور المحسوسة, والحساب الفلكي ينفي ولا يثبت, فإذا نفى الحساب إمكان الرؤية فإنه لا تقبل شهادة الشهود على رؤيته بحال, لأن الواقع الذي أثبته العلم الفلكي القطعي -يكذبهم, وفي هذا جمع بين الرؤية البصرية المأمور بها والحساب الفلكي المقطوع بدقته, وهو ما اتفقت عليه قرارات المجامع الفقهية الإسلامية كما أشرنا.
وقد انتهجت الدار سلوكا حميدا للاحتفال بقدوم الشهر بطبع كتيب عن الصيام يوزع على السادة الحضور, كما يوزع على الجمهور الزائر للدار على مدي الشهر الكريم, ويتناول الكتاب فضائل الشهر والمسائل الفقهية المتنوعة الخاصة بفضل شهر رمضان, وأحكام الصيام من: أركان وشروط ومبطلات, ومكروهات, والأعذار المبيحة للفطر, وأحكام قراءة القرآن وختمه, وفضل قيام ليلة القدر, وأحكام زكاة الفطر وحكمتها, وفضل صيام ست من شوال وغير ذلك. وهذه سنة حسنة للدار تنتهجها في جميع المواسم الدينية كالحج وغيره.