تكلمنا في المقال السابق عن الحج ومفهومه وفضله وأركانه وتكلمنا عن واجباته، وفي هذه المرة نكمل الحديث عن الحج، ونتكلم عن قسم الواجبات التابعة، فما هي الواجبات التابعة ؟
الواجبات التابعة : تنقسم إلى :
1- واجبات الإحرام : ويجب على المحرم أمرين في إحرامه :
1- الإحرام من الميقات الزماني والمكاني 2- ترك محظورات الإحرام.
أما التلبية فهي سنة عند الشافعية والجمهور :
أ- الإحرام من الميقات :
والميقات من التوقيت, وهو : أن يجعل للشيء وقت يختص به , ثم اتسع فيه فأطلق على المكان . ويطلق على الحد المحدد للشيء والذي نقصده في الشرع بالمواقيت : أنها : (مواضع وأزمنة معينة لعبادة مخصوصة) ويجب على المسلم أن يحرم من الميقات فإن جاوز الميقات المكاني فدى، وإن أحرم قبل الميقات الزماني فدى، فما هو الميقات الزمني والميقات المكني.
أولا : الميقات الزماني : وهو الزمن الذي يحرم فيه الحاج بالحج، وهو شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وليس المراد أن جميع هذا الزمن الذي ذكروه وقت لجواز الإحرام, بل المراد أن بعض هذا الزمن وقت لجواز ابتداء الإحرام, وهو من شوال لطلوع فجر يوم النحر, وبعضه وقت لجواز التحلل, وهو من فجر يوم النحر لآخر ذي الحجة.
ثانيا : الميقات المكاني : المحرم إما أن يكون آفاقيا أو ميقاتياً أو حرمياً والآفاقي : هو من منزله خارج منطقة المواقيت ، ومواقيت الآفاقي هي : أ- ذو الحليفة : لأهل المدينة ومن مر بها، ب- الجحفة : لأهل الشام ومن جاء من قبلها كأهل مصر والمغرب ،وهي مندثرة الآن ويحرم الناس من رابغ على بعد 204 ك شمال غرب مكة أما الحجفة والتي ذهبت معالمها فكانت على بعد 187 ك .ج- وقرن المنازل : ويسمى الآن السيل لأهل نجد وهي على بعد 94 كل شرق مكة، د-يلملم : لأهل اليمن وتهامة والهند وهو على بعد 54 ك جنوب مكة ، هـ -وذات عرق : لأهل العراق وسائر أهل المشرق وهي على بعد 94 كل شمال شرق مكة.
أما الميقاتي : هو من كان في مناطق المواقيت أو ما يحاذيها أو ما دونها إلى مكة . وهؤلاء ميقاتهم من حيث أنشئوا العمرة وأحرموا بها ، إلا أن الحنفية قالوا : ميقاتهم الحل كله ، والمالكية قالوا : يحرم من داره أو مسجده لا غير، والشافعية والحنابلة قالوا : ميقاتهم القرية التي يسكنونها لا يجاوزونها بغير إحرام .
وأما الحرمي : وهو المقيم بمنطقة الحرم والمكي ومن كان نازلا بمكة أو الحرم، هؤلاء ميقاتهم للإحرام بالعمرة الحل ، فلا بد أن يخرجوا للعمرة عن الحرم إلى الحل ولو بخطوة واحدة يتجاوزون بها الحرم إلى الحل.
وإذا تجاوز المعتمر الميقات المكاني ولم يحرم بعد فليحرم، فعليه شاة جذعة من الضأن وثنية من الماعز، تذبح وتوزع على فقراء الحرم.
ب- ترك محظورات الإحرام : وهو الواجب الثاني من واجبات الإحرام، وهي : وهي الأشياء التي يحرم على المسلم فعلها أثناء إحرامه وإذا فعلها وجب عليه التوبة والكفارة عن بعضها، كل فعل بما يناسبه من الكفارة وهذه المحرمات منها :
( أ ) ما يحرم على الرجل : لبس المخيط وكل ما نسج محيطا بالجسم أو ببعض الأعضاء كالجوارب، ويحرم عليه وضع غطاء على الرأس وتغطية وجهه ، ولبس حذاء يبلغ الكعبين.
( ب ) ما يحرم على المرأة :ستر الوجه بستر يلامس البشرة ، لبس قفازين ، وتلبس سوى ذلك لباسها العادي.
( ج ) ما يحرم على الرجال والنساء : الطيب وأي شيء فيه طيب، وإزالة الشعر من الرأس ومن أي موضع في الجسم، واستعمال الدهن الملين للشعر أو الجسم - ولو غير مطيب - وتقليم الأظفار، والصيد والجماع ودواعيه المهيئة له، والرفث (أي : المحادثة بشأنه) وليجتنب المحرمون الفسوق أي :مخالفة أحكام الشريعة، وكذا الجدال بالباطل.
ويجب في ارتكاب شيء من محظورات الإحرام الفدية والكفارة، وفي الجماع خاصة فساد العمرة والكفارة والقضاء، عدا ما حرم من الرفث والفسوق والجدال ففيها الإثم والجزاء الأخروي فقط.
الكفارات الواجبة : تختلف الكفارة حسب اختلاف المحظور الذي وقعه فيه المحرم، ويمكن أن نقسم الكفارات الواجبة بترك محظورات الإحرام إلى ما يلي :
- الكفارة في حلق الشعر أو أزالته : على التخير بين شاة ـ صيام ثلاثة أيام ـ أو التصدق بثلاثة آصاع على ستة مساكين.
- الكفارة في قتل الصيد : إذا كان الصيد مما له مثل فكفارته أن يذبح مثله من الأنعام فالنعامة يماثلها الجمل أو البقرة والغزالة تماثلها الشاة، فإن لم يجد قومه واشترى بثمنه طعاماً وتصدق به على فقراء الحرم، فإن لم يجد صام عن كل مد يوماً، وإن كان الصيد مما ليس له مثل قومه الصيد نفسه واشترى بثمنه طعاما وتصدق به أو صام على مد يوما.
- الكفارة قطع شجر الحرم : الشجرة الكبيرة كفارتها ذبح بدنة والصغيرة شاة.
- كفارة الجماع : الجماع يترتب عليه إفساد الحج، ويجب فيه الكفارة كذلك وكفارته واجبة وهي ذبح بدنة أو بقرة أو سبع شياة، أو تقويمها طعامًا إن لم يجد والتصدق بها أو الصوم عن كل مد يوم، وذلك عند الشافعية، وباقي المحرمات يترتب على فعلها الإثم وتستوجب التوبة إلى الله، وليس فيها كفارة دم.
وباقي الواجبات التابعة للأعمال مختلف عليها، فهي إما من الأركان وذكرت في الأركان، وهي واجبة عند بعضهم، وإما من السنن وستذكر في السنن إن شاء الله تعالى.
وإلى هنا نكون قد انتهينا من ذكر واجبات الحج، وتبقى لنا الحديث عن سنن الحج
سنن الحج :
هناك سنن كثيرة للحج منها ما يتعلق بهيئة الأداء، وما يتعلق بالإحرام، وما يتعلق بالسعي، وهناك سنن لا تعلق بأعمال، بل هي مستقلة، وبيان ذلك فيما يلي :
- سنة تتعلق بهيئة أداء الحج : وهي الإفراد، فالإفراد بالحج أفضل، إذا اعتمر في نفس العام عند الشافعية، ودليلهم ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها : «أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج» [رواه مسلم].
- سنن الإحرام : هي : الاغتسال، وتطييب البدن لا الثوب، وصلاة ركعتين، يفعل هذه الثلاثة قبل الإحرام. ثم التلبية عقب النية، والتلبية فرض في الإحرام عند الحنفية خلافا للجمهور، ويسن للمعتمر أن يكثر من التلبية منذ نية الإحرام بالعمرة إلى بدء الطواف باستلام الحجر الأسود، عند الجمهور، وقال المالكية المعتمر الآفاقي يلبي حتى يبلغ الحرم، لا إلى رؤية بيوت مكة، والمعتمر من الجعرانة أو من التنعيم يلبي إلى دخول بيوت مكة.
- سنن تتعلق بالطواف : ويسن له أن يضطبع في أشواط طوافه هذا كلها, والاضطباع أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه اليمنى , ويرد طرفيه على كتفه اليسرى ويبقي كتفه اليمنى مكشوفة, كما يسن للرجل الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى, ويمشي في الباقي, وليكثر المعتمر من الدعاء والذكر في طوافه كله.
- ركعتي الطواف : يسن له صلاة ركعتين بعد الطواف عند مقام إبراهيم عليه السلام.
- سنن تتعلق بالسعي : تسن الموالاة بين السعي والطواف، ونية السعي، والسعي الشديد بين الميلين الأخضرين، كما تسن الموالاة بين أشواط السعي عند الجمهور، وهي شرط لصحة السعي عند المالكية.
ومنها لا يتعلق بالأركان وأفعالها :
- الشرب من ماء زمزم : لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما شرب له.
- زيارة القبر الشريف : ولو غير الحاج والمعتمر، ولها آثار كثيرة يطول المقام بذكرها.
وإلى هنا نكون قد عرفنا الحج بأقسامه من أركان وواجبات وسنن، ولإتمام الفائدة نجيب عن سؤال يهم كل من أراد أن يحج ولا يعلم كيفية الحج وهو كيف يحج المسلم حجا كاملاً ؟ هناك أعمال قبل الحج وأعمال الحج.
1- أعمال ما قبل الحج
ينوي المسلم في إحرامه الكيفية التي يريد أداء الحج عليها, فإن أراد الإفراد نوى الحج , وإن أراد القران نوى الحج والعمرة, وإن أراد التمتع نوى العمرة فقط. فإذا دخل مكة بادر إلى المسجد الحرام, وتوجه إلى الكعبة المعظمة بغاية الخشوع والإجلال, ويبدأ بالطواف من الحجر الأسود, فيطوف سبعة أشواط, وهذا الطواف هو طواف القدوم للمفرد بالحج, وهو طواف العمرة لمن أحرم متمتعا، أما إن كان قارنا فيقع عن القدوم.
ويقطع المتمتع التلبية بشروعه بالطواف, ولا يقطعها المفرد والقارن حتى يشرع في الرمي يوم النحر. ويستلم الحجر في ابتداء الطواف ويقبله , وكلما مر به , إن تيسر ذلك من غير إيذاء لأحد , وإلا لمسه بيده أو بشيء يمسكه بها وقبله , وإلا أشار بيديه , وإذا فرغ من طوافه يصلي ركعتي الطواف عند مقام إبراهيم إن أمكن.
ثم إن أراد السعي يذهب إلى الصفا ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط, كسعي العمرة الذي سبق توضيحه. وهذا السعي يقع عن الحج للمفرد, وعن العمرة للمتمتع, وعن الحج والعمرة للقارن. وهنا يحلق المتمتع رأسه بعد السعي أو يقصره, وقد حل من إحرامه . أما المفرد والقارن فهما على إحرامهما إلى أن يتحللا بأعمال يوم النحر.
ثانيا : أعمال الحج
(1) يوم التروية : وهو يوم الثامن من ذي الحجة , وينطلق فيه الحجاج إلى منى , ويحرم المتمتع بالحج من مكة بعد الضحى , أما المفرد والقارن فهما على إحرامهما , وعندما يصلون إلى منى يبيتون بها اتباعا للسنة, ويكثرون فيها من ذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويمكثون في منى حتى فجر يوم عرفة فيصلون فيها خمس صلوات : الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر . وهذا فجر يوم عرفة.
(2) يوم عرفة : وهو يوم عظيم يؤدي فيه الحجاج الوقوف بعرفة ركن الحج الذي يتوقف على فواته بطلان الحج, ويقوم فيه الحاج بالآتي :
أ - الوقوف بعرفة : ويخرج الحاج في هذا اليوم من منى بعد صلاة الفجر متوجها إلى عرفة, وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة, ويسمع خطبة عرفة ويصلي الظهر والعصر جمع تقديما, ثم يدخل عرفة فيقف بعرفة مراعيا مبتهلاً , ويستمر في الوقوف إلى غروب الشمس, ولا يخرج من عرفة قبل الغروب، ويتوجه إلى الله في وقوفه خاشعا ضارعا بالدعاء والذكر والقرآن والتلبية.
ب - المبيت بالمزدلفة : إذا غربت شمس يوم عرفة يسير الحاج من عرفة إلى المزدلفة , ويجمع بها المغرب والعشاء تأخيرا , ويبيت فيها, ثم يصلي الفجر ويقف للدعاء , ويستمر واقفا يدعو ويهلل ويلبي حتى يسفر جدا , لينطلق إلى منى . ويستحب له أن يلقط الجمار ( الحصيات الصغار ) من المزدلفة , ليرمي بها , وعددها سبعون , للرمي كله , وإلا فسبعة يرمي بها يوم النحر.
(3) يوم النحر :
يتوجه الحاج من مزدلفة إلى منى يوم النحر قبل طلوع الشمس , ليؤدي أعمال النحر , وهو أكثر أيام الحج عملا , ويكثر في تحركه من الذكر والتلبية والتكبير.
أ - رمي جمرة العقبة : فعندما يصل الحاج إلى منى يقوم برمي جمرة العقبة بالحصى الذي جمعه من المزدلفة, وتسمى الجمرة الكبرى. يرميها بسبع حصيات , ويكبر مع كل حصاة , ويقطع التلبية مع ابتداء الرمي.
ب - نحر الهدي : وهو واجب على المتمتع والقارن , سنة لغيرهما، فيقوم بنحر شاة جذعة من الضأن أو ثنية من الماعز
ج - الحلق أو التقصير : والحلق أفضل للرجال , مكروه كراهة شديدة للنساء .
د - طواف الزيارة : ويأتي ترتيبه بعد الأعمال السابقة , فيفيض الحاج أي يرحل إلى مكة ليطوف الزيارة , وهو طواف الركن في الحج. ثم يعود إلى منى مرة أخرى لأعمال أيام التشريق من رمي الجمار.
هـ - السعي بين الصفا والمروة : لمن لم يقدم السعي من قبل .
و - التحلل : ويحصل بأداء الأعمال التي ذكرناها , وهو قسمان :
1- التحلل الأول : أو الأصغر : تحل به محظورات الإحرام عدا النساء ويحصل بكل أعمال يوم النحر عدا طواف الإفاضة .
2- التحلل الثاني : أو الأكبر : تحل به كل محظورات الإحرام حتى النساء . ويحصل بطواف الإفاضة فقط.
وبهذا يتبقى من أعمال الحج أعمال أول وثاني وثالث أيام التشريق وهو ما سنوضحه تفصيلا في المقال القادم إن شاء الله تعالى.