في الحديث عن أسماء الله الحسنى نحتاج دائما أن نؤكد على أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول : هو قسم الجمال مثل الرحمن الرحيم العفو الغفور الرءوف. والقسم الثاني: هو قسم الجلال مثل الجبار المنتقم المتكبر شديد المحال العظيم. والقسم الثالث: هو قسم الكمال، مثل لفظ الجلالة ومثل الأول الآخر، الظاهر الباطن، الضار النافع، المعطي المانع.
ومعنا في هذا العدد اسم الله تعالى (القابض) والقبض في اللغة هو: هو الأخذ، وجمع الكف على شئ، وقبضه ضد بسطه. والقابض اسم فاعل مشتق من قبض يقبض قبضا. والقبض:التقتير ضد البسط: التوسيع، والانْقِباضُ خِلافُ الانْبِساط وقد انْقَبَضَ وتَقَبَّضَ وانْقَبَضَ الشيءُ صارَ مَقْبُوضاً وتَقَبَّضَتِ الجلدة في النار أَي انْزَوَتْ.
وفي أَسماء اللّه تعالى القابِضُ هو الذي يُمْسِكُ الرزق وغيره من الأَشياء عن العِبادِ بلُطْفِه وحِكمته ويَقْبِضُ الأَرْواحَ عند المَمات.
وهذان الاسمان لم يردا في القرآن الكريم بلفظهما وإنما أتيا أفعالا، كما يقول أبو عبد الله القرطبي في كتابه الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى: لم يأتيا في القرآن اسمين بهذه الصيغة وإنما وردا فعلين قال الله تعالى" وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" [البقرة :245 ].
وقال:" بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ"[المائدة :64] وقال" وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِى الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ" [الشورى :27] وقال" وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا [نوح :19]. وهذه أفعال تصرفت في القرآن وجاء في حديث أبي هريرة وأجمعت عليهما الأمة.
والقابض اسم من الأسماء المزدوجة التي نراها مع الباسط كما نرى الأول والآخر، الظاهر والباطن، المعز والمذل، الضار والنافع وهكذا، فهي من الأسماء المزدوجة التي بها الكمال فإن الله سبحانه وتعالى هو القابض والباسط وهو على كل شيء قدير وبكل شيء عليم وبكل شيء محيط فهو سبحانه وتعالى قابض وباسط في نفس الوقت يبسط الرزق لعباده لكنه يقبض الرزق عن عباده أيضاً.
ويروى عن بعض العارفين قوله: يذكر القابض والباسط معا قائلا لا يوصف الله بالقبض دون البسط يعني أنه لا يوصف بالحرمان دون العطاء ولا بالعطاء دون الحرمان.
ويقول الإمام القشيري "اعلم أن القبض والبسط على اصطلاح أهل المعرفة في تخاطبهم نعتان يتعاقبان على القلوب، فإذا غلب على قلب عبد الخوف كان بعين القبض، وإذا غلب على قلبه الرجاء صار من أهل البسط".
ويحكى عن الجنيد أنه قال: الخوف يقبضني والرجاء يبسطني والحق يجمعني والحقيقتة تغرقني...
وقال بعض أهل المعرفة: إذا قبض قبض حتى لا طاقة، وإذا بسط بسط حتى لا فاقة.
وقد تجد إنسانا رزقه ضَيَّقاً وهناك إنسان رزقه واسع .وأيضا يقبض ويبسط النفوس ترى إنساناً في حالة قبض يعنى اكتئاب وإنسان آخر في حالة بسط يعنى سرور وفرح وانشراح وينقلب على الإنسان هذا وذاك، فالقبض مما يتجلى الله به على كونه، والبسط مما يتجلى الله به على كونه.
والله تعالى يتجلى على هذا الكون بصفاته العُلى فقد نرى الرحمة في الحيوان أو النبات أو الإنسان لو لاحظت أي حيوان مع ابنه كيف إنه يرحمه ويعطف عليه.
فالقابض اسم من أسماء الله تعالى يدل على كمال القدرة ويدل على أنه يجب عليك أن تلتجئ إلى الله دائما، فإذا وجدت كآبَة في نفسك أو ضيقا أو ضيقاً في الرزق فإنك تتوجه مباشرة إلى الذي بيده الملك إلى من تسبب في ذلك وخلقه في نفسك أو في كونك إلى الله الذي ينبغي أن تتعلق به، لأنه هو القابض و الباسط ولذلك يجب أن تلجأ إليه.
أسماء الله الحسنى تنقسم إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول : هو قسم الجمال مثل الرحمن الرحيم العفو الغفور الرءوف. والقسم الثاني : هو قسم الجلال مثل الجبار المنتقم المتكبر شديد المحال العظيم. والقسم الثالث : مثل لفظ الجلالة ومثل الأول الآخر، الظاهر الباطن، الضار النافع، المعطي المانع.
وفي هذا العدد نستعرض معا اسم الله تعالى (العليم) والعليم في اللغة مشتقة من عَلِمَ يَعْلَمُ عِلْماً، نقيض جَهِل، وفَعِيلٌ من أَبنية المبالغة في فاعل فإِذا اعتبر العِلم مطلقاً فهو العليم.
والعليم صفة من صفات الله عز وجل العَلِيم والعالِمُ والعَلاَّمُ فهو الخلاق العليم وعالم الغيب والشهادة وهو علام الغيوب، فهو اللهُ العالمُ بما كان وما يكونُ قَبْلَ كَوْنِه وبِمَا يكونُ ولَمَّا يكُنْ بعْدُ قَبْل أن يكون لم يَزَل عالِماً ولا يَزالُ عالماً بما كان وما يكون ولا يخفى عليه خافيةٌ في الأرض ولا في السماء وهو بكل شئ عليم.
سبحانه وتعالى أحاطَ عِلْمُه بجميع الأشياء باطِنِها وظاهرِها دقيقِها وجليلِها على أتمّ حال.
والعليم اسم من أسماء الله تعالى الذي يعلم كل شيء جملة وتفصيلا فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء : (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )
الذي يعلم السر وأخفى ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه يعلم ما توسوس به النفس للعبد قبل أن يتفوه به وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر.
والعليم وصف يجوز أن يقال للإنسان الذي علمه الله تعالى علما من العلوم، استدلالا بقوله تعالى علي لسان سيدنا يوسف عليه السلام: (قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف :55].
وقد ورد لفظ العليم في القرآن الكريم في غير موضع منها قوله تعالى حكاية عن الملائكة:( قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ). [البقرة :32]
وقوله تعالى: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ). [البقرة :137] وقوله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ). [البقرة :127]
وقوله تعالى:( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ).[الأعراف :200]
وقول تعالى:( إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) يعني به الخواطر القائمة بالقلب والدواعي والصوارف الموجودة فيه وهي لكونها حالة في القلب منتسبة إليه كنى عنها بذات الصدور والمعنى أنه تعالى عالم بكل ما يحصل في قلوبكم من الخواطر (تفسير الخازن)
وأيضا ورد في قوله تعالى:( وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ). [يوسف :76] فعليم يصح أن يكون إشارة إلى الإنسان الذي فوق آخر.. ويجوز أن يكون قوله: (عليم) عبارة عن الله تعالى وإن جاء لفظه منكرا؛ إذ كان الموصوف في الحقيقة بالعليم هو تبارك وتعالى، فيكون قوله: (وفوق كل ذي عليم)، إشارة إلى الجماعة بأسرهم لا إلى كل واحد بانفراده، وعلى الأول يكون إشارة إلى كل واحد بانفراده.(مفردات ألفاظ القرآن)
فالعليم صفة معنوية واسم من أسماء الله تعالى الذي يعلم الغيب والشهادة سواء عنده من أسر القول أو من جهر به أو من هو مستخف بالليل وسارب بالنهار.
)وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بها) [الأعراف :180] حقيقة قرآنية تفتح للعبد أبواب الإقبال على الله سبحانه وتعالى، فإذا أراد البسط دعاه باسمه الباسط، وإذا أراد الرزق دعاه باسمه الرزاق، وإذا أراد الرحمة دعاه باسمه الرحمن والرحيم. ويمكننا أن نقسم أسماء الله تعالى إلى ثلاثة أقسام أساسية، وهي: الجمال، والجلال، والكمال.
وعلاقة الإنسان بكل قسم من هذه الأقسام تختلف، فبالنسبة لقسم الجمال العلاقة هي التخلق، على حد قول الصالحين وهم يفسرون قوله تعالى : (كونوا ربانيين) [آل عمران :79] أي تخلقوا بأخلاق الله، أما التعامل مع القسم الثاني، وهو قسم الجلال فيكون بالتعلق حيث نهانا الله عن التكبر، والتعظم، وقال في الحديث القدسي العظمة : «العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار» [رواه ابن أبي شيبة في مصنفه]. أما التعامل مع القسم الثالث : وهو الكمال فذلك يكون بالإيمان والتصديق.
والاسم الذي معنا في هذه المرة هو: اسم الله تعالى (الفتاح). والفتاح من أبنية المبالغة وتعنى بليغ الفتح لما أغلق وعسر فتحه.
وفي أسماء اللّه تعالى [ الفتَّاح ] هو الذي يفتح أبواب الرزق لخلقه, والرَّحْمة لعباده. وقيل هو الذي يفتح خزائن الرحمة على أصناف البرية وقيل هو مبدع الفتح والنصر.
وقيل الفتاح من الفتح وهو الإفراج من الضيق الحسي والمعنوي كالذي يفرج تضايق الخصمين في الحق بحكمه ويروى عن بعض الصالحين: الفتاح هو الذي لا يغلق وجوه النعمة بالعصيان ولا يترك إيصال الرحمة إليهم
وأيضا معناه: الحاكم العادل الذي يقضي بالحق. يقال: فتح الحاكم بين الخَصْمَيْن إذا فَصَل بينهما. ويروى أن امرأة من العرب كان بينها وبين زوجها خصومة فقالت: بيني وبينك الفتاح تعني الحاكم لأنه ينصر المظلوم على الظالم.
وهو من أسامي صفات الفعل الذي يختص بتيسير ما عسر كما يقول الإمام البيهقي.
وقد ورد اسم الفتاح بصيغته ومشتقاته في الكتاب الكريم والسنة المطهرة منها قوله تعالى في سورة سبأ آية26(قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الفَتَّاحُ العَلِيمُ) فقوله تعالى : { قُلْ يَجْمَعُ بيننا ربُّنا } يعني عند البعث في الآخرة { ثُمَّ يَفْتَحُ بيننا } أي يقضي { بالحقِّ } أي: بالعدل { وهو الفتَّاح } القاضي { العليمُ } بما يقضي.(زاد المسير).
وقوله تعالى(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ). [فاطر :2] وهذا يفسره حديث رسول صلى الله عليه وسلم حين يقول: "اللهم لا مانع لِما أَعْطَيْت، ولا معطِيَ لما مَنَعْتَ، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجَدّ" رواه البخاري عن المغيرة بن شعبة.
فـ(مفاتيح الخير ومغالقه كلها بيده؛ فما يفتح الله للناس من خير فلا مُغلق له، ولا ممسك عنهم، لأن ذلك أمره لا يستطيع أمره أحد، وكذلك ما يغلق من خير عنهم فلا يبسطه عليهم ولا يفتحه لهم، فلا فاتح له سواه؛ لأن الأمور كلها إليه وله).(الطبري)
فمن التمس الفتح من الله لم يُغلق له بابٌ، ولو كان عاصيا، فهو الميسر للخير.
ويقول الإمام القشيري من علم أنه الفتاح للأبواب الميسر للأسباب الكافي للحضور والمصلح للأمور فإنه لا يتعلق بغيره قلبه ولا يشتغل بدونه فكره لا يزيد بلاء ويزيد بربه ثقة ورجاء وأعلم أنه تعالى يفتح للنفوس بركات التوفيق وللقلوب درجات التحقيق فبتوقيعه تزين النفوس بالمجاهدات وبتحقيقه تزين القلوب بالمشاهدات ومن آداب من علم أنه الفتاح أن يكون حسن الانتظار لنيل كرمه مستديم التطلع لوجود لطفه ساكنا تحت جريان حكمه علما بأنه لا مقدم لما أخر ولا مؤخر لما قدم.
تمثل أسماء الله الحسنى في الإسلام منهج رباني يربي المسلم علي أخلاق سامية إذا التزم به كانت طريقه إلي الجنة. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ » (أخرجه البخاري).
إلا أن عدد الأسماء التي سمى الله بها نفسه في القرآن الكريم 152 اسما، وعدد الأسماء التي أطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الله سبحانه وتعالى في السنة نحو 164 اسما. ومع حذف المكرر من هذه الأسماء ينتج عندنا 220 اسما في الكتاب والسنة تنقسم إلي ثلاثة أقسام؛ هناك أسماء الجمال والتي يجب علي المسلم أن يتخلق بها كالرحمن الرحيم الوهاب، وهنالك أسماء الجلال التي يجب التعلق بها مثل القهار المتكبر شديد المحال، وهناك أسماء الجلال التي يجب حبها والتصديق والإيمان بها كاسمه تعالى الله الظاهر الباطن.
ونعيش في مقال اليوم مع اسم الله الرزاق.وهو من أسماء الجمال.و الرزق في اللغة هو النصيب والقسمة فما قُسم لنا هو رزق. والرازقُ أو الرّزَّاقُ من صفات الله تعالى لأَنه يَرزُق الخلق أَجمعين وهو الذي خلق الأَرْزاق وأَعطى الخلائق أَرزاقها وأَوصَلها إليهم.
والأَرزاقُ نوعانِ ظاهرة للأَبدان كالأَقْوات وباطنة للقلوب والنُّفوس كالمَعارِف والعلوم. ولفظ الرزاق أشمل وأعم من لفظ الرازق؛ فالرازق هو الذي يعطي بعض الناس ويمنع البعض الآخر، ولكن الرزاق تتضمن الشمول فالجميع يصله الرزق، التقي والعاصي على حد سواء.
ويؤكد الله في كتابه أنه هو الرزاق الأوحد لجميع مخلوقاته وأنه بيده مفاتيح الرزق لا يشاركه فيها أحد، ثم ألزم نفسه سبحانه برزق كل مخلوقاته علي حد سواء من عبده منهم أو من لم يعبده، فقال: "وَمَا مِن دَابَّةٍ في الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا" [هود :6].
كما بين سبحانه أن أرزاق الخلائق مقدر منذ الأزل وأنه قدرها تقديرا دقيقا لا يظلم معه أحد فقال: "وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ" [فصلت :10].
ويحكي التاريخ قصص عجيبة عن تفاعل البشر مع اسم الله الرزاق، ولعل أشهرها ما رواه البيهقي في شعب الإيمان من قصة الأعرابي الذي أتى الأصمعي في البصرة، وسأله أن يتلو عليه شيئا من كلام الرحمن، فتلا عليه من سورة الذاريات، حتى انتهى إلى قوله تعالى : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون) ، فقال الأعرابي : هذا كلام الرحمن ؟
قال الأصمعي : إي والذي بعث محمدا بالحق إنه لكلامه أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال له الأعرابي : حسبك، ثم قام إلى ناقته فنحرها بسيفه، وقطعها بجلدها وقال : أعني على تفريقها ، فوزعاها على من أقبل وأدبر ، ثم كسر سيفه ، وقوسه ، وجعلها تحت الرملة ، وولى مدبرا نحو البادية، وهو يقول : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون) يرددها حتى تغيب عنه في حيطان البصرة، وحينها أقبل الأصمعي على نفسه يلومها ، وحدثها قائلا: يا أصمعي ، قرأت القرآن منذ ثلاثين سنة ومررت بهذه وأمثالها وأشباهها فلم تتنبه لما تنبه له هذا الأعرابي ، ولم يعلم أن للرحمن كلاما.
ثم لقيه مرة أخرى في الكعبة فقال له الأعربي: اتل من كلام الرحمن ذلك الذي تتلوه، فابتدأ ثانيا بسورة الذاريات ، فلما انتهي إلى قوله : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) صاح الأعرابي: وقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، ثم قال : يا أصمعي ، هل غير هذا للرحمن كلام ؟ قال : نعم يا أعرابي ، يقول الله عز وجل : ( فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) ، فصاح الأعرابي عندها وقال : يا سبحان الله ، من ذا أغضب الجليل حتى حلف ؟ أفلم يصدقوه بقوله حتى ألجئوه إلى اليمين، قالها ثلاثا وخرجت نفسه.
﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف :180]، هذه دعوة قرآنية تفتح للعبد أبواب الإقبال على الله سبحانه وتعالى.
ففي الحديث الشريف ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أعلمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحًا". فقيل: يا رسول الله، أفلا نتعلمها؟ فقال: "بلى، ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها".
وتنقسم أسماء الله تعالى إلي ثلاثة أقسام، هي: أسماء الجمال وعلي المؤمن التخلق بها. فعليه أن يرحم الناس تخلقا باسم الله الرحيم وعليه الصبر إتباعا لاسم الله الصبور. وأسماء الجلال وعلي المؤمن التعلق بها دون التخلق، فهي لله وحده لا ينازعه فيها أحد من مخلوقاته. فعلى المؤمن أن يمسك نفسه عن القهر والتكبر والجبروت.
وأخيرا أسماء الكمال وعلي المؤمن أن يحبها ويصدق بها. فيعلم ويوقن أنه سبحانه هو الله الأول والآخر والظاهر والباطن.
ونتناول اليوم اسم الله الوهاب وهو كثير المواهب. والهبة هي العطيَّة الخالية عن الأعواض والأَغراض فإذا كثرت سمي صاحبها وهابا وهو من أبنية المبالغة. والوهاب في صفته تعالى يدل على البذل الشامل والعطاء الدائم بلا تكلف. وكلّ ما وهب لك الوهاب من ولد وغيره فهو موهوب. ويُقال للمولود له : شكرت الواهب وبُورك لك في الموهوب.
وورد اسم الله الوهاب بلفظة في القرآن ثلاث مرات، وذلك في قوله: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ﴾ [آل عمران :8] وقوله: ﴿ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العَزِيزِ الوَهَّابِ ﴾ [ص :9]. واقتران اسم الوهاب مع الرحمة دليل علي أنها من أعظم نعم الله تعالي علي مخلوقاته، وأن خزائن رحمة الله تعالي ليس لها حد في حجمها أو امتدادها.
وقد أورد الرازي في تفسيره الجامع "مفاتيح الغيب" أن كلمة "رحمة" جاءت نكرة لتشمل جميع أنواع الرحمات وهم ست: فأولها : أن يحصل في القلب نور الإيمان والتوحيد والمعرفة ، وثانيها : أن يحصل في الجوارح والأعضاء نور الطاعة والعبودية والخدمة، وثالثها: أن يحصل في الدنيا سهولة أسباب المعيشة من الأمن والصحة والكفاية، ورابعها: أن يحصل عند الموت سهولة سكرات الموت، وخامسها: أن يحصل في القبر سهولة السؤال، وسهولة ظلمة القبر، وسادسها: أن يحصل في القيامة سهولة العقاب والخطاب وغفران السيئات. ومن ثم جاء بعدها اسم الله الوهاب ليدل أن رحمة الله مع لانهائيتها لا يمسكها شيء إذا أراد الله أن يهبها لمن يشاء.
أما المرة الثالثة لذكر اسم الله الوهاب فورد في قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لي وَهَبْ لي مُلْكًا لاَّ ينبغي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِى إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ﴾ [ص :35]. فعندما تعلق نبي الله سليمان عليه السلام باسم الله الوهاب في دعائه، استجاب له ربه ووهبه ملكا خاصا لا يتكرر لأحد من بعده وذلك في قوله: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِى بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ *وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ* وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ في الأَصْفَادِ﴾ [ص :36-38] والفاء لسرعة الإجابة؛ بل ولم يكتفي الله سبحانه بذلك بل زاد له فقال: ﴿ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص :40]. ليعم عليه عطاؤه في الدنيا والآخرة.
كما اشرنا في المقالات السابقة، تتشعب أسماء الله تعالى إلى ثلاثة أقسام يختلف سلوك المؤمن وفقا إلي كل قسم منها. فعلي المؤمن أن يتخلق بصفات الجمال مثل الرحمن الرحيم الودود الغفار. وعليه أن يتعلق بصفات الجلال ولا يتخلق بها فهي لله وحده ولا يشاركه فيها احد ومن هذه الصفات الجبار المتكبر. أما عن القسم الثالث والأخير فهي صفات الكمال مثل الله الخالق البارئ المصور وحال المؤمن تجاهها هو الإيمان والتصديق.
ومقال اليوم يدور في فلك اسم الله القهار والذي ينتمي إلي الفئة الثانية. والقهر في اللغة هو الغلبة والأخذ من فوق. قال الأَزهري والله القاهرُ القَهّار قَهَرَ خَلْقَه بسلطانه وقدرته وصَرَّفهم على ما أَراد طوعاً وكرهاً والقَهَّار للمبالغة. وقال ابن الأَثير القاهر هو الغالب لجميع الخلق. وقَهَرَه يَقْهَرُه قَهْراً غلبه وتقول أَخَذْتُهُم قَهْراً أَي من غير رضاهم.
والقهار في صفة المخلوق صفة ذم لأنه يكتسب لما ليس له، فإن القوة والسلطة لله سبحانه. ففي الحديث الشريف فيما رواه أبو داوود في سنته عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِى وَالْعَظَمَةُ إِزَارِى فَمَنْ نازعني وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ في النَّارِ ».فهو الذي -كما قال ابن كثير في تفسيره- خضعت له الرقاب، وذلت له الجباه، وعنت له الوجوه ، وقهر كل شيء ، ودانت له الخلائق ، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه الأشياء ، وتضاءلت بين يديه وتحت قهره وحكمه " .
ورد اسم الله القهار في القرآن الكريم عدة مرات وبصور مختلفة. فورد كصيغة مبالغة علي وزن فعال ستة مرات في قوله: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ﴾ [يوسف :39]، وقوله: ﴿ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ ﴾ [الرعد :16]، وقوله: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ﴾ [إبراهيم :48]، وقوله: ﴿ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ﴾ [ص :65]، وقوله: ﴿ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ ﴾ [الزمر :4]، وقوله: ﴿ لِّمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ﴾ [غافر :16]. وتظهر جميع الآيات السابقة اقتران اسم الله القهار باسمه الواحد ليؤكد سبحانه وتعالى تفرده بصفة القهر لأي مخلوق ينازعه في سلطانه.
كما ورد الاسم علي صيغة فاعل في موضعين اثنين فقط هما قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ﴾ [الأنعام :18]، وقوله : ﴿ وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام :61] . وهاتان الآيتان تؤكدان سلطة الله تعالى فوق خلقه. فمن مخلوقات الله من خيرها سبحانه وتعالى للاستسلام لقهره وملكوته طوعا أو كرها مثل السماء والأرض في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ استوي إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت :11]. بينما من مخلوقاته من لم يمهله الله تعالى فرصة الاختيار مثل العرش والذي يعد أعظم مخلوقات الله حجما. والعرش مخلوق عظيم الحجم لا يستطيع الإنسان تصور حجمه بقدرات العقل البشري. ففي الحديث الشريف الذي أخرجه ابن حبان في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا أبا ذر ، ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة ». إلا أن الله سبحانه وتعالي قهره في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ ﴾ [الفرقان :59] أي قهره، كدليل علي سلطانه سبحانه.
واتت صيغة الفعل من الاسم مرتين. مرة بصيغة الجمع ليذم أفعال قوم فرعون في معاملتهم لبني إسرائيل في قوله: ﴿ وَقَالَ المَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِى نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ [الأعراف :127]. وأوضح الله تعالى سوء عاقبة فعلهم هذا سريعا في قوله: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف :130] . وجاء أيضا في صيغة الفعل المنفي في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا اليَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ﴾ [الضحى :9]. كنهي للمؤمن الواعي بعدم الاتصاف بهذا الاسم.
أسماء الله الحسنى التي وردت في القرآن والسنة تمثل الهيكل التربوي للمسلم قال سبحانه وتعالى : ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف : 180]، والأسماء التي وصف الله بها نفسه في كتابه أكثر من 150 اسمًا وقد ورد في السنة أكثر من 160 اسمًا ومجموعهما 220 اسمًا بعد حذف المكرر، وهذه الأسماء والصفات يمكن تقسيمها إلى صفات جمال : كالرحمن والرحيم، والعفو الغفور، وصفات جلال : كالمنتقم الجبار، الشديد المحال، وصفات كمال : كالأول والآخر والظاهر والباطن.
والمؤمن يتخلق بصفات الجمال، ولا يتخلق بصفات الجلال بل يتعلق بها، فيعفو ويصفح، ويمسك نفسه عند الغضب.
والاسم الذي معنا في هذا العدد هو اسمه سبحانه «الغفار» على وزن فعال، من غفر وهو يعني كثير المغفرة، فيغفر مغفرة بعد مغفرة في كل مرة يأتي العبد فيها تائبا مقبلا على الله فالله يغفر الله بكرمه. قال ابن منظور : «الغَفُورُ الغَفَّارُ، جلّ ثناؤه، وهما من أَبنـية الـمبالغة ومعناهما الساتر لذنوب عباده الـمتـجاوز عن خطاياهم وذنوبهم. يقال: اللهمَّ اغفر لنا مَغْفرة و غَفْراً و غُفْراناً، وإِنك أَنت الغَفُور الغَفَّار يا أَهل الـمَغْفِرة. وأَصل الغَفْرِ التغطية والستر: غَفَرَ الله ذنوبه، أَي سترها؛ والغَفْر: الغُفْرانُ. .....وقد غَفَرَه يَغْفِرُه غَفْراً: ستره. وكل شيء سترته، فقد غَفَرْته؛ ومنه قـيل للذي يكون تـحت بـيضة الـحديد علـى الرأْس: مِغْفَرٌ. وتقول العرب: اصْبُغْ ثوبَك بالسَّوادِ فهو أَغْفَرُ لوَسَخِهِ، أَي أَحْمَلُ له وأَغطى له. ومنه: غَفَرَ الله ذنوبه، أَي سترها» [لسان العرب لابن منظور].
ويندرج اسم الله «الغفار» تحت قسم الجمال، التي ينبغي للمسلم أن يتخلق به إذا أراد أن يعامله الله به سبحانه وتعالى، قال تعالى : ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النور :22]، فقرن سبحانه بين عفو المؤمنين وصفحهم عن إخوانهم، وبين رغبتهم في عفو الله ومغفرة، وقد امتدح الله المؤمنين بهذه الصفة حيث قال تعالى : ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ [الشورى :37].بل إن الله سبحانه وتعالى أمر المؤمنين بالتخلق بالعفو والمغفرة حتى مع أعداءهم الذين يريدون أن يردوهم عن دينهم، قال تعالى : ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة :109].
وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ المؤمنين بأن يغفروا للكافرين، فقال تعالى : ﴿قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الجاثية :14].
فكانت المغفرة من الصفات التي أمر الله المؤمنين بها، ودعاهم إليها، وهي من صفاته سبحانه وتعالى التي تندرج تحت قسم الجمال الإلهي، فعلى المؤمن التخلق بها. رزقنا الله الفهم عنه سبحانه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وقد ورد اسم الله الغفار في القرآن خمس مرات على النحو التالي، قوله تعالى : ﴿وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه :82]. وقوله سبحانه : ﴿رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا العَزِيزُ الغَفَّارُ﴾ [ص :66]. وقوله سبحانه وتعالى : ﴿أَلاَ هُوَ العَزِيزُ الغَفَّارُ﴾ [الزمر :5]. وقوله :﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِى أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِى إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِى لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى العَزِيزِ الغَفَّارِ﴾ [غافر :41، 42]. وقوله تعالى : ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ [نوح :10].
مازلنا في تلك السلسلة المباركة من شرح أسماء الله الحسنى، وقد علمنا أن أسماء الله الحسنى يمكن تقسيمها إلى صفات جمال : كالرحمن والرحيم، والعفو الغفور، وصفات جلال : كالمنتقم الجبار، الشديد المحال، وصفات كمال : كالأول والآخر والظاهر والباطن، وكل ما يوصف به الله، والمؤمن يتخلق بصفات الجمال، ولا يتخلق بصفات الجلال بل يتعلق بها، فيعفو ويصفح، ويمسك نفسه عند الغضب.
والاسم الذي معنا في هذا العدد هو اسمه سبحانه «المصور»، قال ابن منظور : «الـمُصَوِّرْ : وهو الذي صَوَّر جميع الـموجودات، ورتبها فأَعطى كل شيء منها صورة خاصة وهيئة مفردة يتميز بها علـى اختلافها وكثرتها» [لسان العرب 4/473]. وقال ابن كثير في تفسيره لاسمه سبحانه في سورة الحشر : « أي الذي إذا أراد شيئاً قال له : كن فيكون على الصفة التي يريد، والصورة التي يختار،كقوله تعالى : ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار:8] ولهذا قال: المصور، أي الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها» [تفسير ابن كثير 4/345].
وقد وردت مادة هذا الاسم في القرآن في خمس مواضع مرتبة كما يلي : قوله تعالى ﴿هُوَ الَّذِى يُصَوِّرُكُمْ فِى الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [آل عمران :6]. وقوله سبحانه : ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ [الأعراف :11]. وقوله سبحانه وتعالى : ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ [غافر :64]. وقوله عز وجل :﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ [التغابن :3]. وقوله سبحانه : ﴿فِى أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار :8]
ولم يرد هذا الاسم صريحا في القرآن إلا في قوله تعالى : ﴿هُوَ اللَّهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [الحشر :24].
واسم الله «المصور» يندرج تحت قسم الكمال، الذي ينبغي على المؤمن أن يؤمن به، ويورثه حبا لله، لأن النفس جبلت على حب الكمالات، كما يمكن رؤيته على أنه من صفات الجلال؛ فعندما يعلم العبد أن كل ما يراه من صور هو مراد الله، وأنه لا مراد في الكون إلا مراده سبحانه فيشع بقهر الله وعظمته في كونه، فيصل إلى الحقيقة أن الأمر كله بيد الله، أنه ليس له من الأمر شيء.
كما يمكن أن ينظر المسلم إلى اسمه سبحانه «المصور» على أنه من قسم الجمال، حيث يلاحظ بهذا الاسم نعم الله عليه، ويعلم أن الله يتودد بالنعم لخلقه إذ أحسن صورتهم وأوجدهم من عدم، وخلق لهم الحياة.
ينبغي علينا أن نجعل اسم الله «المصور» دليلا في التعرف على الله من ناحية الجمال والجلال والكمال، ويزداد إيماننا به وتعلقانه به سبحانه وتعالى.
مازلنا في تلك السلسلة المباركة من شرح أسماء الله الحسنى، والتي علما أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول : هو قسم الجمال مثل الرحمن الرحيم العفو الغفور الرءوف. والقسم الثاني: هو قسم الجلال مثل الجبار المنتقم المتكبر شديد المحال العظيم. والقسم الثالث :هو قسم الكمال مثل لفظ الجلالة ومثل الأول الآخر، الظاهر الباطن، الضار النافع، المعطي المانع.
والمؤمن يتخلق بصفات الجمال، ولا يتخلق بصفات الجلال بل يتعلق بها، فيعفو ويصفح، ويمسك نفسه عند الغضب.
والاسم الذي معنا في هذا العدد هو اسمه سبحانه «البارئ»، ويعني هذا الاسم في اللغة: الذي خَـلَقَ الـخَـلْقَ لا عن مِثالٍ. ولهذِهِ اللفْظَةِ من الاخْتِصاصِ بخَـلْقِ الـحَيوانِ ما لـيس لها بغَيرهِ من الـمخْـلوقات، وقَلَّـما تُسْتَعْمَلُ فـي غير الـحيوانِ، فـيُقال: بَرأَ اللَّهُ النَّسَمَة وخَـلَقَ السَّموات والأَرضَ. قال ابنُ سِيده: برَأَ اللَّهُ الـخـلق يَبْرُؤُهمَ بَرءاً وبُرُوءاً: خَـلَقَهُم، يكونُ ذلكَ فـي الـجَواهِرِ والأَعْراضِ. [راجع لسان العرب 1/31].
وقد بين ابن كثير رحمه الله الفرق بين الأسماء الثلاثة [الخالق-البارئ-المصور] فقال : « الخلق: التقدير، والبرء: هو الفري وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود، وليس كل من قدر شيئاً ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله عز وجل، قال الشاعر يمدح آخر:
ولأنت تفري ما خلقت وبعــ **تز ــض القوم يخلق ثم لا يفري
قدر الجلاد ثم فرى، أي قطع على ما قدره بحسب ما يريده، وقوله تعالى: (الخالق البارئ المصور) أي الذي إذا أراد شيئاً قال له: كن فيكون على الصفة التي يريد، والصورة التي يختار كقوله تعالى: فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (الانفطار:8) ولهذا قال: المصور، أي الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها» [تفسير ابن كثير 4/344، 345].
وقد ورد هذا الاسم صريحا في قوله تعالى : ﴿هُوَ اللَّهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [الحشر :24]
كما ورد مضافا إلى بني إسرائيل حكاية عن سيدنا موسى عليه السلام في قوله تعالى :﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة :54]
وورد مادته في صيغة الفعل في قوله تعالى : ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الأَرْضِ وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد :22].
والبارئ من صفات الكمال، التي ينبغي على المؤمن أن يؤمن بها، وتورثه حبا لله، لأن النفس جبلت على حب الكمالات، كما يمكن رؤيته على أنه من صفات الجلال؛ حيث شعر العبد بقهر الله وعظمته في كونه أوجد هذا الكون على غير مثال سابق، فيعلم أن كل ما حوله قد برأه الله سبحانه وتعالى، فيصل إلى حقيقة أنه ليس له من الأمر شيء.
ويمكن أن يراه العبد كذلك على أنه صفة جمال، فيلاحظ باسمه البارئ نعم الله عليه، ويعلم أن الله يتودد له بالنعم التي تبدأ بخلقه وإيجاده، وخلق الحياة فيه، وخلقه دائما خلقا بعد خلق، في منظومة تعرف بالإمداد الإلهي الذي إذا انقطع ينعدم المخلوق تماما.
ينبغي علينا أن نجعل اسم الله البارئ منهج حياة، يحيا به بين الناس، يرشده إلى طريق الله، ويقبل به على ربه، عسى الله أن ينفعنا بما فيه الخير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
علمنا أن أسماء الله الحسنى يمكن تقسيمها إلى صفات جمال : كالرحمن والرحيم، والعفو الغفور، وصفات جلال : كالمنتقم الجبار، الشديد المحال، وصفات كمال : كالأول والآخر والظاهر والباطن، وكل ما يوصف به الله.
والمؤمن يتخلق بصفات الجمال، ولا يتخلق بصفات الجلال بل يتعلق بها، فيعفو ويصفح، ويمسك نفسه عند الغضب قال تعالى : ﴿ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير * وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة : 109، 110]. والتخلق بالجمال والتعلق بالجلال والإيمان بالكمال من مكونات العقل المسلم.
والاسم الذي معنا في هذا العدد هو اسمه سبحانه «الخالق»، والخالق اسم فاعل من خلق : بمعنى قدر، والخالق : هو الذي أَوجد الأَشياء جميعها بعد أَن لـم تكن موجودة، وأَصل الـخـلق التقدير، فهو باعْتبار تقدير ما منه وجُودُها وبالاعتبار للإِيجادِ علـى وَفْقِ التقدير خالقٌ. و الـخَـلْقُ فـي كلام العرب: ابتِداع الشيء علـى مِثال لـم يُسبق إِلـيه؛ وكل شيء خَـلقه الله فهو مُبْتَدِئه علـى غير مثال سُبق إِلـيه.
واسم الله الخالق بهذه الصيغة لم يرد في القرآن إلا مرة واحدة في قوله تعالى : ﴿هُوَ اللَّهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [الحشر :24]، وورد بصيغة التعظيم [الخالقون] مرة واحدة في قوله تعالى : ﴿أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الخَالِقُونَ﴾ [الواقعة :59]، وورد اسمه الخلاق من نفس المادة مرتين في القرآن الكريم في قوله تعالى : ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ﴾ [الحجر :86]. وفي قوله تعالى : ﴿وَهُوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ﴾ [يس :81].
وورد معرفا بالإضافة في مواضع كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى : ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الأنعام :102]. وقوله تعالى : ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ﴾ [الرعد :16]. وقوله سبحانه : ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون :14]، وجاء بالتنكير في قوله تعالى : ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [فاطر :3]، وورد في مدح خلقه قوله تعالى : ﴿أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخَالِقِينَ﴾ [الصافات :125]. وقوله سبحانه : ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الزمر :62]. وقوله عز وجل : ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [غافر :62].
والخالق من صفات الكمال، التي ينبغي على المؤمن أن يؤمن بها، وتورثه حبا لله، لأن النفس جبلت على حب الكمالات، والخالق يمكن أن يراه العبد على أنه من صفات الجلال، فيعلم أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، فكل ما حوله من خلق الله، وكل ما في الكون حركة وسكونا، وجودا وعدما من الله، فيعلم أنه ليس له من الأمر شيء، ويمكن أن يراه العبد كذلك على أنه صفة جمال، فيلاحظ باسمه الخالق نعم الله عليه، ويعلم أن الله يتودد له بالنعم التي تبدأ بخلقه وإيجاده، وخلق الحياة فيه، وخلقه دائما خلقا بعد خلق، في منظومة تعرف بالإمداد الإلهي الذي إذا انقطع ينعدم المخلوق تماما.
الخالق اسم يورث معاني الحب التي تبرز من ملاحظة الكمال، ومعاني التعلق التي تبرز من ملاحظة الجلال، ومعاني التخلق التي تؤدي إلى الرحمة، والتخلق بالتودد للناس والإنعام عليهم.
ينبغي على المؤمن أن يجعل اسمه الخالق منهج حياة، يحيا به بين الناس، يرشده إلى طريق الله، ويقبل به على ربه، عسى الله أن ينفعنا بما فيه الخير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.